أنشطة وأخبار

الشرك بين الأمس واليوم

تاريخ النشر : 12/03/2022

عدد المشاهدات : 892


الشرك بين الأمس واليوم

بقلم: حماد القباج

معنى الشرك في اللغة:

“تقول شَركته في الأمر أشركه شركا وشركة بفتح الأول وكسر الثاني فيهما، (ويخففان بكسر الأول وسكون الثاني)؛

وذلك إذا صرتُ له شريكا.

وأشركته: جعلته شريكا؛ قال تعالى: {وأشركه في أمري}[طه الآية: 22].

أي: اجعله شريكي فيه.

وشركت بينهما في المال تشريكا واشتركنا وتشاركنا في الشيء قال الجعدي:

وشاركنا قريشا في تقاها             وفي أحسابها شرك العنان

والعنان: سَيرا اللجام المعترضان عن يمين عنق الدابة وشمالها، يكنى به عن المساواة.

هذا تلخيص كلام الجوهري في “صحاحه”، والفيومي في “مصباحه”.

ومرجع مادة الشرك إلى الخلط والضم.

هذا تقرير معنى الشرك لغة.

معنى الشرك في الشرع:

أما في الشرع فقد فسره صاحبا “الصحاح” و”المصباح” بالكفر، وجعله الراغب على ضربين فقال:

“أحدهما: الشرك العظيم، وهو “إثبات شريك لله تعالى يقال: أشرك فلان بالله وذلك أعظم كفر قال: {إن الله لا يغفر أن يشرك به}[النساء: 116]، وقال: {ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا}[النساء: 116] و{من يشرك باله فقد حرم الله عليه الجنة}[المائدة: 72].

والثاني: الشرك الصغير، وهو مراعاة غير الله معه في بعض الأمور؛ وهو الرياء والنفاق المشار إليه بقوله: {شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون}[الأعراف: 190] {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون}[يوسف: 106].

ومن هذا ما قال صلى الله عليه وسلم: “الشرك في هذه الأمة، أخفى من دبيب النمل على الصفا“.

وقوله: {ولا يشرك بعبادة ربه أحدا}[الكهف: 110] محمول على الشركين.

ولفظ الشرك، من الألفاظ المشتركة.

وتفسير الشرك بالكفر تجوز في المعنى، أجازه اتحادهما في الحكم؛ وقد فرق بينهما أبو هلال العسكري، في كتابه “الفروق اللغوية”، فقال: “الكفر اسم يقع على ضروب من الذنوب فمنها الشرك بالله، ومنها الجحد للنبوة، ومنها استحلال ما حرم الله، وهو راجع إلى جحد النبوة، وغير ذلك مما يطول الكلام فيه، وأصله التغطية” (ص: 89).

ثم قال: “الفرق بين الكفر والشرك، أن الكفر خصال كثيرة على ما ذكرنا، وكل خصلة منها تضاد خصلة من الإيمان، لأن العبد إذا فعل خصلة من الكفر، فقد ضيع خصلة من الإيمان.

والشرك خصلة واحدة؛ وهو إيجاد ألوهية مع الله أو دون الله. واشتقاقه ينبئ عن هذا المعنى.

ثم كثر حتى قيل لكل كفر شرك على وجه التعظيم له والمبالغة في صفته، وأصله كفر النعمة، ونقيضه الشكر، ونقيض الكفر بالله الإيمان، وإنما قيل لمضيع الإيمان كافر لتضييعه حقوق الله تعالى، وما يجب عليه من شكر نعمه، فهو بمنزلة الكافر لها.

ونقيض الشرك في الحقيقة هو الإخلاص، ثم لما استعمل في كل كفر صار نقيضه الإيمان” (ص: 91).

ومحصل كلام أبي هلال؛ أن الشرك والكفر مختلفان في الأصل، متحدان في استعمال الشرع، فهما كالإسلام والإيمان.

أقسام الشرك:

جرى علماء المالكية وغيرهم على تقسيم الشرك إلى قسمين:

1 الشرك الأكبر: وهو عبادة غير الله

2 الشرك الأصغر: وهو مراعاة غير الله معه في بعض الأمور؛ وعلى رأسه: الرياء.

قال القرطبي: “أصل الشرك المحرم؛ اعتقاد شريك لله تعالى في إلهيته، وهو الشرك الأعظم، وهو شرك الجاهلية… ويليه في الرتبة اعتقاد شريك لله تعالى في الفعل…”.

ثم قال: ” …ويلي هذا في الرتبة الإشراك في العبادة، وهو الرياء”. انظر المفهم (6/615).

وفي موضع آخر قال: “المخلص في عباداته هو الذي يخلصها من شوائب الشرك والرياء، وذلك لا يتأتي له إلا بأن يكون الباعث له على عملها قصد التقرب إلى الله تعالى وابتغاء ما عنده، فأما إذا كان الباعث عليها غير ذلك من أعراض الدنيا فلا يكون عبادة، بل يكون مصيبة موبقة لصاحبها، فإما كفر ـ وهو الشرك الأكبر ـ وإما رياء ـ وهو الشرك الأصغر ـ”. المفهم (3/742).

ونقل قول القرطبي أبو العباس هذا القرطبي أبو عبد الله في بيانه أقسام الشرك. انظر تفسير القرطبي (5/181).

وصرح بهذين القسمين أيضا ابن جُزي الكلبي، حيث يقول عند قوله تعالى: {إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له}: “أي: لا أريد بأعمالي غير الله، فيكون نفيا للشرك الأصغر، وهو الرياء، ويحتمل أن يريد: لا أعبد غير الله، فيكون نفيا للشرك الأكبر”اهـ التسهيل (2/50).

ومن الشرك الأصغر؛ الحلف بغير الله لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” من حلف بغير الله فقد أشرك” [رواه الترمذي وصححه]

ومنه: التطير والتشاؤم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك ..” [رواه أحمد وصححه الألباني]

ومنه: سب الدهر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يقل أحدكم يا خيبة الدهر فإن الله هو الدهر“.

رواه مالك في باب ما يكره من الكلام

قال ابن عبد البر: ” والمعنى فيه أن أهل الجاهلية كانوا يذمون الدهر في أشعارهم وأخبارهم ويضيفون إليه كل ما يصنعه الله بهم، وقد حكى الله عنهم قولهم: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ

فنهى الله عن قولهم ذلك ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه أيضا بقوله: “لا تسبوا الدهر” يعني لأنكم إذا سببتموه وذممتموه لما يصيبكم فيه من المحن والآفات والمصائب وقع السب والذم على الله لأنه الفاعل ذلك وحده لا شريك له؛

وهذا ما لا يسع أحدا جهله والوقوف على معناه لما يتعلق به الدهرية أهل التعطيل والإلحاد.

وقد نطق القرآن وصحت السنة بما ذكرنا وذلك أن العرب كان من شأنها ذم الدهر عندما ينزل بها من المكاره فيقولون أصابتنا قوارع الدهر وأبادنا الدهر وأتى علينا الدهر”اهـ [التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (ج 18 / ص 155)].

ومنه: التبرك الممنوع؛ لما رواه الترمذي عن أبي واقد الليثي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى غزوة حنين مر بشجرة للمشركين كانوا يعلقون عليها أسلحتهم يقال لها : ذات أنواط. فقالوا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “سبحان الله هذا كما قال قوم موسى ( اجعل لنا إلها كما لهم آلهة)، والذي نفسي بيده لتركبن سنن من كان قبلكم“.

وليعلم أن وصف هذا الشرك بالأصغر؛ إنما هو من جهة مقابلته بالأكبر؛ وإلا فهو –في حد ذاته- كبير وخطير؛ وقد ذهب بعض المحققين أنه لا يغفر من غير توبة؛ لعموم قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}.

تاريخ الشرك:

قال الله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} [البقرة/213]

روى الطبري بسند صحيح عن ابن عباس قال: “كان الناس أمة واحدة؛ أي: “على الإسلام كلهم”.

وأخرج الحاكم عن ابن عباس قال: “كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين”.

ومنشأ اختلافهم أنهم وقعوا في الشرك بسبب الغلو في الصالحين:

قال الله تعالى: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح (23)]

قال محمد بن قيس: (يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا)؛ “كانوا قوما صالحين بين آدم ونوح، وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صَوَرناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم؛ فصوروهم.

فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس فقال: إنما كانوا يعبدونهم وبهم يسقون المطر، فعبدوهم”اهـ.

فكان أصل الشرك ومنشأه: الغلو في الصالحين، ثم تعددت أسبابه وأشكاله؛ وتردى بسببه الفكر البشري من رقي التوحيد وسموه، إلى عبادة الأحجار والأشجار والكواكب والنجوم والحيوانات .. إلـخ.

وجمع الملاحدة المعاصرون ما تشتت عند الأقدمين؛ فألهوا الطبيعة ونسبوا إليها الخلق والتدبير!!

أصل الشرك عند العرب:

قال عبد الله بن عباس: “صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعدُ؛ أما وَد: فكانت لكلب بدومة الجندل؛ وأما سواع: فكانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد، ثم لبني غُطَيف بالجُرُف عند سبأ، أما يُعوقُ: فكانت لهَمْدان، وأما نسر: فكانت لحمير لآل ذي كَلاع، وهي أسماء رجال صالحين من قوم نوح، عليه السلام، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم. ففعلوا، فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتَنَسَّخَ العلم عُبِدت”اهـ[1]

قال ابن هشام: “حدثني بعض أهل العلم أن عمرو بن لحي خرج من مكة إلى الشام في بعض أموره فلما قدم مآب من أرض البلقاء وبها يؤمئذ العماليق وهم ولد عملاق ويقال عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح رآهم يعبدون الأصنام فقال لهم ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون قالوا له هذه الأصنام نعبدها فنستمطرها فتمطرنا ونستنصرها فتنصرنا فقال لهم أفلا تعطونني منها صنما فأسير به إلى أرض العرب فيعبدونه فأعطوه صنما يقال له هبل فقدم به مكة فنصبه وأمر الناس بعبادته وتعظيمه”اهـ.

وقد روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: “رأيت عمرو بن لحي الخزاعي يجر قصبة في النار وكان أول من سيب السوائب

وفي لفظ خارج الصحيح: “وغيّر دين إبراهيم

والشرك لا ينحصر في كون المشرَك به؛ صنما أو حجرا أو شجرا، بل قد يكون إنسانا؛ ولذلك عبدت أمم بعض الأنبياء وألّهتهم؛ أبرزهم النصارى الذين ألهوا عيسى:

قال الله تعالى: {فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [مريم (37)]

أي: اختلفت طوائف من بني إسرائيل في عيسى عليه السلام بعد رفعه؛ فكان منهم من أشركه  مع الله في الألوهية.

قال قتادة: “اجتمع من أحبار بني إسرائيل أربعة : يعقوب ونسطور وملكا وإسرائيل ، فقال يعقوب : عيسى هو الله نزل إلى الأرض فكذبه الثلاثة واتبعه اليعقوبية ، وقال نسطور : عيسى ابن الله فكذبه الاثنان واتبعه النسطورية ، وقال ملكاً : عيسى أحد ثلاثة : الله إله ، ومريم إله ، وعيسى إله ، فكذبه الرابع واتبعه طائفة ، وقال إسرائيل : عيسى عبد الله كلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، فاتبعه فريق من بني إسرائيل”اهـ.

قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة/116، 117]

الشرك يعيد نفسه:

ولما تباعد الزمان، وتفشى الجهل، وقامت أسباب ظهور الشرك؛ وعلى رأسها الغلو في الصالحين؛ عاد الشرك ليخيم على أجواء العالم عموما، والأمة الإسلامية بشكل خاص، التي ما كان يظن أن الشرك يرجع إليها وهي تتلو القرآن وتقرأ السيرة النبوية العظيمة؛ ومع ذلك تفشت مظاهر الغلو في الأولياء، وما أدت إليه من دعاء الأموات والنذر لهم والذبح ..، وغير ذلك من صور العبادة؛

وقد شرح هذا الواقع المرير وانتقده عدد من العلماء المصلحين؛ منهم: الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب (ت. 1206) في كتب ورسائل كثيرة، والسلطان العالم مولاي سليمان بن محمد العلوي (ت. 1238) في خطبته الشهيرة، والإمام الفقيه محمد علي الشوكاني (ت. 1250) في كتابه (الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد)، والعلامة الأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني (ت. 1182) في كتابه “تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد“، والعلامة المصلح محمد ابن المؤقت المراكشي (ت. 1368) في كتابه “الرحلة المراكشية“، والفقيه المفسر محمد المكي الناصري (ت. 1414) في كتابه “إظهار الحقيقة” وغيرهم كثير رحمهم الله.

[1]  معارج القبول (ج 2 / ص 465).

 

وسوم :

مواد ذات صلة

سر إعجاز القرآن الكريم

تاريخ النشر : 12/04/2022

عدد المشاهدات : 1187

كتابٌ عزيزٌ

تاريخ النشر : 1/04/2022

عدد المشاهدات : 789

الإعجاز النبوي في الإخبار باختراع السيارة

تاريخ النشر : 5/03/2022

عدد المشاهدات : 1239

“لا إله إلا الله”: ركيزة التوحيد ومفتاح السعادة

تاريخ النشر : 3/02/2022

عدد المشاهدات : 856

حاجة الإنسان إلى النبوة

تاريخ النشر : 22/12/2021

عدد المشاهدات : 1173

'