تاريخ النشر : 12/05/2020
عدد المشاهدات : 3973
بمناسبة اتخاذ {برنامج مجالس النور}: تفسير الشيخ محمد المكي الناصري؛ مقررا لدراسة تفسير القرآن الكريم ..
يتفرد {مركز بلعربي العلوي} بنشر هذه الترجمة النفيسة للشيخ، والتي حررها الأستاذ محمد العزوزي قبل 20 عاما (سنة 1999)، ولم تتمكن جريدة ميثاق الرابطة من نشرها آنذاك.
وقد ضمناها صورا نادرة غير منشورة للشيخ.
(1324 – 1414 هـ / 1906 – 1994 م)
محمد بن عمر العزوزي الجزنائي فاس
الشيخ محمد المكي الناصري يعد في مقدمة الذين أوجدهم هذا الوطن في الدفاع عنه، والذود عن حياضه، وهو رمز من رموز الوطنية الصادقة، وهو مشعل من مشاعل النور الذي يستضيء به الذين أظلمت أمامهم السبل، وانسدت في وجوههم المسالك، إنه كان طوال حياته يمثل شخصية العالم العامل الملتزم، ويمثل السياسي المناضل الذي يعمل على تخليص شعبه وأمته من قيود الاستعمار، بذل من العطاء ما لا يقدر بثمن فهو من الرجال الذين عملوا على توطيد الصلة بين الماضي والحاضر، وعملوا على تأطير الحياة العلمية والثقافية، فهو أستاذ في الوطنية وله باع طويل في هذا المجال، ولقد أعطى لبلاد المغرب أجزل العطاء، له النشاطات العلمية، وله الإسهامات الواضحة في كل الميادين، سياسية كانت أو علمية أو ثقافية أو دبلوماسية، إنه عظيم الوفاء لوطنه وبلاده، إنه أحد العصاميين الذين كرسوا حياتهم منذ أن وجدوا وولدوا في هذه الأرض، أرض المغاربة الأباة الأشاوس، والذين ما عرفوا الخضوع ولا الاستكانة، فهم يعملون دائما لقيمه الروحية، ولعقيدته الدينية، ولوطنيته الصادقة.
ويعتبر الشيخ محمد المكي الناصري أحد المولعين بالكتابة والتأليف، فقد أصدر من مدينة تطوان في شمال المغرب، وهو ما يزال في ريعان الشباب:
1 جريدة الوحدة المغربية
2 جريدة الشعب
3 منبر الشعب
4 المغرب الجديد
وهذه الجرائد أصدرها إبان الكفاح السياسي، وقبل أن تشتعل الحرب بيننا وبين فرنسا، ابتداء بالمقاومة في المدن، وانتهاء بجيش التحرير في الجبال وطبعا بعد الاعتداء الغاشم على عرش المغرب في شخص رمز الكفاح سيدي محمد الخامس رحمه الله وأسرته الشريفة.
والحمد لله فمن حسن الحظ أن جمع ما كان يكتبه ويصدره في هذه الجرائد في كتابين اثنين، عنونهما بقوله: (تحت راية العرش) الجزء الأول من 271 صفحة، والجزء الثاني من 390 صفحة.
وهذا من أجل الأعمال وأنفسها؛ لأن ما فات القارئ يقرأه في إبان صدور هذه الجرائد، له أن يطلع عليه الآن فيما كتبه الشيخ المكي الناصري في تلك العهود، وقد مر على ذلك نصف قرن من الزمن، وعلى القارئ أن يستدرك ما فاته، فذلك عبارة عن صفحات من الجهاد تاريخية مجيدة.
أما كتبه التي ألفها في تلك الحقبة من الزمن، فهي:
1ـ (صليبية في مراكش) طبع: 1931م.
2ـ (إظهار الحقيقة وعلاج الخليقة) طبع: 1931م
3ـ (فرنسا وسياستها البربرية في المغرب الأقصى) طبع: 1934م.
4ـ (الأحباس الإسلامية في المملكة المغربية)
5ـ (موقف الأمة المغربية من الحماية الفرنسية) وهو بحث لتاريخ الكفاح المغربي ضد الاحتلال الأجنبي.
6ـ (دستور التسامح في الإسلام).
هذه الكتب أصدرها إبان الكفاح ضد الاستعمار، واستمر يكتب، فبلغت مؤلفاته 35 مؤلفا في المجموع حسبما هو مسطر على ظهر غلاف كتاب (مع الشباب)، وكتاب: (دستور الدعوة الإسلامية) فلينظر فيهما من أراد زيادة الاطلاع.
وعلاوة على ذلك، فقد قام بعدة أعمال أخرى، في ميدان الترجمة، نقل بها بحوثا من الفرنسية إلى العربية والإسبانية، وكان بذلك يخدم قضايا وطنية وثقافية مهمة.
ومن أعماله الاجتماعية: أنشأ معهد مولاي المهدي بتطوان، وعمل مديرا له، وأنشأ بيت المغرب بالقاهرة، جعله إيواء للطلبة المغاربة في ذلك القطر، أثناء متابعة دراستهم بالأزهر الشريف، وباقي المعاهد والكليات هناك.
وأسس حزب الوحدة بطنجة، وهو الحزب الخامس بعد الأحزاب الأربعة الأخرى المشهورة، والتي هي: حزب الاستقلال الذي كان يرأسه الزعيم الأستاذ علال الفاسي بالمنطقة السلطانية، وحزب الإصلاح الذي كان يرأسه الزعيم الأستاذ عبد الخالق الطريس في تطوان بالمنطقة الخليفية.
ثم حزب الشورى والاستقلال الذي كان يرأسه الأستاذ محمد بن الحسن الوزاني بالمنطقة السلطانية أيضا، والحزب الحر الذي كان يرأسه ويتزعمه الأستاذ المهدي الطود بالمنطقة الخليفية.
فجاء حزب الوحدة بزعامة الشيخ محمد المكي الناصري، وكأنه يدعو بهذا الاسم إلى توحيد هذه الأحزاب، والعمل سويا إلى بلوغ الهدف المنشود، ألا وهو طرد الاستعمار عن البلاد، والحصول على الاستقلال.
ومن أعماله أيضا في الميدان السياسي:
عمل سفيرا للمملكة المغربية في ليبيا لمدة سنتين.
وعين وزيرا للأوقاف والشؤون الإسلامية لمدة أربع سنوات.
وعين رئيسا للمجلس العلمي للعدوتين الرباط وسلا.
وبقي فيه إلى أن وافته المنية، كما عين عضوا دائما في أكاديمية المملكة المغربية إلى وفاته كذلك.
وأخيرا وبعد وفاة صهره وأخي زوجته، وخال أولاده وبناته: أستاذ الجيل العلامة الأديب المشارك سيدي عبد الله كنون الذي وافته المنية في شهر ذي الحجة عام: 1409هـ / 1989م.
تولى أمانة ورئاسة رابطة علماء المغرب، وجمع بين هذه الوظائف كلها.
وبوفاته رحمه الله، تولى رئاسة المجلس العلمي للعدوتين الدكتور السيد عباس الجراري، وتولى أمانة رابطة علماء المغرب العلامة الأديب الأستاذ الحاج أحمد بن شقرون شافاه الله، والآن رحمه الله.
وشارك الشيخ محمد المكي الناصري في الدروس الحسنية أمام حضرة أمير المؤمنين جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله، وحسبما أتوفر عليه من سلسلة الدروس الحسنية التي تصدرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بعد نهاية كل شهر رمضان من كل عام.
1ـ الدرس الأول، بعنوان: (الإسلام دين الحكمة) كان بتاريخ 7 رمضان عام 1387هـ 9 دجنبر سنة 1967، الدروس الحسنية السلسلة رقم 1 ص: 179.
2ـ الدرس الثاني بعنوان: (الإسلام دين الحنيفية السمحة) كان بتاريخ 13 رمضان 1387هـ 15 دجنبر سنة 1967م، الدروس الحسنية السلسلة رقم 1 ص: 296.
3ـ الدرس الثالث بعنوان: (مبادئ النظام الإداري في الإسلام) كان بتاريخ 12 رمضان عام: 1388هـ 3 دجنبر 1968م الدروس الحسنية السلسلة رقم 2 ص: 258.
4ـ الدرس الرابع، بعنوان: (الشريعة أخت الطبيعة) كان بتاريخ 16 رمضان عام 1394هـ / 1974م الدروس الحسنية السلسلة بدون رقم.
وهناك سنوات لم تصدر فيها هذه السلسلة وهي ما قبل 1387هـ و1967م والأعوام التي بين 1389هـ و1969 إلى 1394م، ولا نعلم أيكون الشيخ المكي الناصري قد شارك في تلك الأعوام بهذه الدروس أم لا؟
وأخيرا مما يعرف به الشيخ المكي الناصري عند الخاص والعام، عند القاصي والداني، عند الكبير والصغير، عند المثقف وغير المثقف، عند الرجل والمرأة: دروسه التفسيرية لكتاب الله العزيز عبر أمواج الأثير في إذاعة المملكة المغربية، مرتين في اليوم، مرة في الصباح، ومرة في المساء، بعد قراءة المقرئ الحاج عبد الرحمن بن موسى رحمه الله، بعد الخامسة صباحا والخامسة مساء، مقدار ربع حزب في كل حصة، مما يجعله يختم الحزب في يومين ويختم القرآن كله في شهرين أي في مدة 120 يوما.
وهذه نادرة عفوية أذكرها، وأستسمح القراء بذكرها:
كنت مع والدي عمر بن علي العزوزي المتوفى بتاريخ 18 رمضان عام 1389هـ الموافق 29 نونبر 1969م رحمه الله، وطبعا جرى ذلك قبل هذا التاريخ، كنت جالسا معه في منزلنا ببلاد الريف، وكان الوقت مساء بعد الخامسة، والشيخ المكي الناصري يفسر قوله تعالى: {إنا صببنا الماء صبا، ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا …} الآيات من سورة عبس، فأردت القيام، فقال لي: اجلس لتسمع حتى ينتهي الشيخ من تفسيره، فإنه يعجبني أن أسمعه.
وبعد نهاية الحصة القرآنية، خاطبني بقوله: “يا ولدي أرجو أن ترافقني إلى الرباط لزيارة هذا الشيخ وهذا المفسر الذي هو أكبر علماء الدنيا”.
بهذه العبارة خاطبن؛ فضحكت وقلت له: “أصحبك لكن ما هي الهدية التي ستقدمها بين يديك عند زيارتك له، لأن الله تعالى يقول: (… فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ..)”.
فأجابني رحمه الله: “نأخذ معنا سلة من العنب عند نضجه نختاره جيدا من نوع (أحمر بوعمر) ونعطيه 10000 فرنك أي مائة درهم”.
فقدرت فيه هذا التقدير وهذا الإعجاب في الشيخ المكي الناصري، رغم أن والدي كان أميا لا يقرأ، لم يدخل المسجد ولا المدرسة للتعلم، ومع ذلك كان شديد الرغبة للتعلم في كبره، تعلم الحروف الهجائية، وكان يتابع القراءة ببطء رحم الله الجميع رحمة واسعة.
أما كلمة “الشيخ”؛ فبها يعرف أستاذنا الشيخ محمد المكي الناصري رحمه الله، ففي المعجم الوسيط ج:1 ص: 502 (الشيخ: من أدرك الشيخوخة)، وهي غالبا عند الخمسين، وهو فوق الكهل ودون الهرم، ـ والشيخ أيضا ـ ذو المكانة من علم أو فضل أو رئاسة، والجمع شيوخ وأشياخ، انتهى باختصار.
وبالجملة الأخيرة يعرف الشيخ محمد المكي الناصري، لأننا نحن في المغرب نطلق كلمة الشيخ على الرجل المسن الذي تجاوز الخمسين والستين من عمره، كما مر في مادة اللغة، وقليلا ما تستعمل كلمة الشيخ لفقهاء وعلماء المغرب، فمن عرف منهم من هذا اللقب: العلامة المحدث الشيخ شعيب الدكالي، والذي سماه شيخ الجيل العلامة السلفي سيدي عبد الله كنون رحمه الله في كتابه التعاشيب: (عبده المغرب) أنظر صفحة 89.
ثانيا: الشيخ سيدي محمد بن العربي العلوي شيخ الإسلام بالمغرب، وبالقرويين بفاس خاصة، وهو الرئيس الشرفي لجمعية العلماء الجزائريين التي أسسها أبو النهضة الجزائرية الشيخ عبد الحميد بن باديس والمتوفى رحمه الله يوم 16 أبريل سنة 1940م، وخلفه عليها رفيقه في النضال الشيخ محمد البشير الإبراهيمي والمتوفى سنة 1965م.
ونعود للحديث عن الشيخ محمد المكي الناصري، فقد لقب بكلمة الشيخ وهو صغير والذي لقبه وناداه بذلك، هو الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي، حين حضر إلى القاهرة وهو في ريعان الشباب، وخطب في أحد المؤتمرات، فأعجب به، وقال له: “أنت شيخ المغاربة“.
فاكتسب كلمة الشيخ، وصارت لقبا له، وأصبح لا يعرف إلا بها: الشيخ محمد المكي الناصري.
إنه علم من الأعلام المعدودين، وأستاذ من الأساتذة المبرزين، وقد جاهد وناضل طوال حياته بقلمه ولسانه.
فوفاة الشيخ محمد المكي الناصري وأمثاله كسيدي عبد الله كنون بن عبد السلام الطاهري، وسيدي محمد الجواد الصقلي، وآخرين كثيرين، خسارة للأمة وفاجعة كبيرة، ومصيبة من أعظم المصائب؛ وصدق الله وصدق رسوله صلى الله عليه وسلم: (لموت قبيلة أهون على الله من موت عالم) رواه الإمام البيهقي.
فكلما مات عالم إلا وترك في الأمة ثغرة لا تعوض، وثلمة لا تسد؛ فرحم الله علماءنا الذين وافتهم المنية، وبارك في عمر من لا يزال يواصل السير في درب الكفاح، والسلام.
المصادر:
1 محمد بن عمر العزوزي؛ حصاد القلم (ج 2 / ص 748-754)؛ دار الأمان؛ الطبعة الأولى؛ 1432/2012.
2 بنك الصور في مركز بلعربي العلوي للدراسات التاريخية.
وسوم :الحركة الوطنية الشيخ المكي الناصري تاريخ المغرب عين على السياسة مجالس النور مركز بلعربي العلوي
ننوه الى أن ما ننشره من مواد للسادة والسيدات العلماء والمفكرين والمثقفين والسياسيين، لا يلزم منه الاتفاق معهم في كل أفكارهم وآرائهم
Nous précisons que le contenu publié d'un tiers auteurs n'implique pas que nous sommes forcément d'accord avec l'ensemble de ses idées.
Designed by Khalil BI