تاريخ النشر : 25/04/2016
عدد المشاهدات : 2498
حق المرأة في الخلع
بقلم: حماد القباج
الخلع من حقوق المرأة الأسرية التي تمثل مخرجا لها إن هي كرهت الحياة الزوجية، وخافت ألا تؤدي واجبها ومسؤولياتها الزوجية؛
ومعناه عند الفقهاء: “فراق الزوجة زوجها على مال؛ مأخوذ من خلع الثياب، لأن المرأة لباس للرجل وهو لباس لها، وضُمَّ مصدره تفرقة بين الحسي والمعنوي”.
وهو بالنسبة للمرأة كالطلاق بالنسبة للرجل.
يقول العلامة ابن رشد المالكي: “والفقه أن الفداء([1]) إنما جعل للمرأة في مقابلة ما بيد الرجل من الطلاق فإنه لما جعل الطلاق بيد الرجل إذا فَرَك([2]) المرأة جعل الخلع بيد المرأة إذا فركت الرجل”.([3])
وقال العلامة ابن قدامة الحنبلي: “والخلع شرع لإزالة الضرر الذي يلحقها بسوء العشرة والمقام مع من تكرهه وتبغضه”.([4])
وجاء في كشاف القناع: “وفائدته تخليصها من الزوج على وجه لا رجعة له عليها إلا برضاها”.
لقد جعل الشارع الحكيم الطلاق بيد الرجل، له أن يوقعه إذا شعر أنه لا يستطيع العيش سعيدا مع زوجته وأحس بنفرته من العشرة الزوجية معها، وبعدما تعييه وسائل العلاج المتنوعة لإعادة الوفاق إلى حياتهما الزوجية، فلا بأس بعد ذلك من الطلاق، لأن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيفما يشاء، ولا يستطيع أحد التحكم في عواطف الناس ومشاعرهم وإرغامهم على ما لا يرغبون فيه وحتى إن نجح بعض الوقت إلا أنه لا يدوم ما لم تكن هناك رغبة صادقة وعاطفة جياشة وإحساس كبير نحو العمل الذي يقوم به سواء كان زواجا أو غيره.
والمرأة إنسان مثل الرجل تملك مثلما يملك من مشاعر وعواطف وتحس مثلما يحس هو، فربما تكون هي التي تـحس بالنفرة من زوجها والحياة معه في الوقت الذي يكون هو يحبها كثيرا، كما في حالة ثابت بن قيس مع زوجته.
وعند تعذر الوصول إلى حل لما بينهما من مشاكل، وذلك بمختلف الطرق والوسائل فإن الشارع الحكيم مثلما جعل بيد الرجل الطلاق ليتخلص منها إذا أحس بنفرته منها وظن استحالة العيش معها، كذلك شرع سبحانه وتعالى الخلع للزوجة لتفتدي نفسها من زوجها ببذل ما قدمه لها من صداق([5])
والأصل في هذا الباب قول الله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229]
وقد بين النبي e معنى هذه الآية؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاءت امرأة ثابت بن قيس([7]) إلى النبي e فقالت: يا رسول الله لا أنقم على ثابت في دين ولا خلق، إلا أني أخاف الكفر([8]) فقال رسول الله e: «أتردين عليه حديقته»([9]) قالت: نعم، فردت عليه وأمره ففارقها.([10])
وفي رواية: «وأمره يطلقها»([11]) وفي رواية: «فأمره أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد»([12]).
وقد ذهب كثير من العلماء إلى أن الأمر هنا للإرشاد لا للوجوب.
وفيه نظر؛ إذ الأصل في الأمر الوجوب إلا إذا وجدت قرينة تدل على غير ذلك من إباحة أو ندب، ومن الأدلة على هذا قوله عليه السلام: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة»([13])
قال الخطابي: “وفيه دليل على أن أصل أوامره على الوجوب، ولولا أنه إذا أمر بالشيء صار واجبا لم يكن لقوله (لأمرتهم) معنى، وكيف يشق عليهم الأمر بالشيء وهو إذا أمرهم به لم يجب ولم يلزم؟! فثبت أنه على الوجوب ما لم يقم دليل على خلافه”.([14])
وإلى القول بالوجوب ذهب طائفة من محققي أهل العلم كابن تيمية والشوكاني والصنعاني، قال العلامة الشوكاني: “قال في الفتح([15]) هو أمر إرشاد وإصلاح لا إيجاب ولم يذكر ما يدل على صرف الأمر عن حقيقته”.([16])
وقال العلامة الصنعاني: “وأما أمره بتطليقه لـها فإنه أمر إرشاد وإصلاح كذا قيل، والظاهر بقاؤه على أصله من الإيـجاب ويدل له قوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}([17])، فإن المراد يجب عليه أحد الأمرين وهنا قد تعذر الإمساك بالمعروف لطلبها للفراق فتعين عليه التسريح بإحسان”.([18])
وقال الشيح تقي الدين الهلالي: “قوله “وأمره يطلقها” يبطل قول من قال إن الأمر في قوله عليه السلام: “اقبل الحديقة وطلقها” أمر إرشاد وإصلاح لا أمر وجوب، وهذا عجيب! إذ كيف تبغض المرأة زوجها أشد البغض حتى تخاف إن أجبرت على البقاء معه أن تكفر بالله([19])، وترفع أمرها إلى الحاكم وهو النبي e فيأمره بقبول الحديقة التي كانت صداقها ويقول له طلقها ثم يكون ذلك كله إرشادا وإصلاحا لا إلزاما؟! فيا ليت شعري أكان يجوز لثابت بن قيس أن يقول للنبي e لا أقبل ولا أطلق؟ وهو مقتضى قول من قال: إن الأمر للإرشاد والإصلاح”.([20])
وقال أيضا: “أما الزوجة فلها أن تفارق من تكرهه في كل وقت وفي كل حال، متى كرهت بعلها لسوء خُلق (بالضم) أو سوء خَلق (بالفتح)، وما عليها إلا أن ترفع أمرها إلى الحاكم الحنيف وتحضر ما أعطاها من قبل من الصداق وحينئذ يجب على الحاكم أن يأمر زوجها بقبول الصداق وعلى الزوج أن يقبله ويفارقها في الحال. أما أن يكون الزوج أو الحاكم أو هما معا من الجهال بشرع الله فيجبر أحدهما أو كلاهما المرأة على أن تبقى أسيرة مع رجل لا تحبه ولا تثق به فهو حكم باطل لم يأذن الله به”.([21])
والمرأة في حال الخلع لا يجب عليها ما يجب على الرجل إذا طلق من التبعات ولا رجعة له عليها؛
قال العلامة ابن القيم: “وقد ثبت بالنص والإجماع أنه لا رجعة في الخلع”.([22])
وفي هذه الحال تعتد المرأة بحيضة واحدة كما جاء في بعض روايات حديث ابن عباس السابق([23])، إذ المقصود بهذه العدة مجرد براءة رحمها من الحمل.
ولا يكتمل بيان هذا الحكم إلا بتوضيح مسألة هامة:
وهي أنه كما يكره للرجل تطليق زوجته لغير سبب؛ فكذلك قال جمهور أهل العلم: يكره للمرأة أن تخالع لغير سبب.
ومنهم من ذهب إلى القول بتحريم ذلك مستدلين بحديث: «أيما امرأة سألت الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة»([24])
والحديث حجة في ما ذهبوا إليه. والله أعلم سبحانه.
([1]) الفداء: هو الخلع، ويقال له كذلك الصلح والمبارءة. بداية المجتهد (2/113).
([3]) بداية المجتهد ونهاية المقتصد (2/113).
([5]) أحكام الخلع في الشريعة الإسلامية (ص: 63).
([7]) ورد في بعض الروايات أن اسمها حبيبة ابنة سهل.
([8]) وفي رواية: «ولكني لا أطيقه»؛ البخاري (5275).
([9]) هذه الحديقة كانت هي صداق امرأة ثابت.
([12]) أخرجه ابن ماجه (2056) وصححه الألباني في الإرواء (2037).
([13]) أخرجه البخاري (887)، ومسلم (252).
([20]) أحكام الخلع في الشريعة الإسلامية (ص: 47).
([23]) انظرها في سنن أبي داود (2299)، وسنن الترمذي (1189).
([24]) أخرجه أبو داود ( 2226) وصححه الألباني في الإرواء (2035).
ننوه الى أن ما ننشره من مواد للسادة والسيدات العلماء والمفكرين والمثقفين والسياسيين، لا يلزم منه الاتفاق معهم في كل أفكارهم وآرائهم
Nous précisons que le contenu publié d'un tiers auteurs n'implique pas que nous sommes forcément d'accord avec l'ensemble de ses idées.
Designed by Khalil BI