أنشطة وأخبار

مشكلة المرأة عند مالك بن نبي

تاريخ النشر : 3/04/2016

عدد المشاهدات : 1532


مشكلة المرأة عند مالك بن نبي
توقيع: ذ محمد حميت
إن مشكلة المرأة ليست شيئا نبحثه منفردا عن مشكلة الرجل، فهما يشكلان في حقيقتهما مشكلة واحدة هي مشكلة الفرد في المجتمع.
وإنه ليجدر بِنَا بادئ الأمر أن نستبعد من دائرة بحثنا تلك الأقاويل التي يقولها بدافع من عواطفهم، أولئك الذي نصبوا من أنفسهم ذادة عن حقوق المرأة من كتّاب الشرق أو الغرب.
وليس بمُجدٍ أن نعقد موازنة بين الرجل والمرأة، ثم نخرج منها بنتائج كمية تشير إلى قيمة المرأة في المجتمع، وإنها أكبر أو أصغر من قيمة الرجل أو تساويها، فليست هذه الأحكام إلا افتئاتا على حقيقة الأمر ومحض افتراء.
ولسنا نرى في الأقاويل التي تقولها على حقوق المرأة أدعياء تحريرها، أو الذين يطالبون بإبعادها عن المجتمع إلا تعبيرا عن نزعات جنسية لا شعورية!.
فهذه المشكلة ينبغي أن تُصفى أولا من مثل هذه النزعات، ثم تحل حلاً يكون الاعتبار الأول فيه لمصلحة المجتمع؛ فالمرأة والرجل يُكونان الفرد في المجتمع: فهي شق الفرد، كما هو شقه الآخر. ولا غرو فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «النساء شقائق الرجال».١
والله تعالى خلقهما من نفس واحدة، وقد أخبر بذلك سبحانه بقوله: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء}.٢
فالمرأة والرجل قطبا الإنسانية، ولا معنى لأحدهما بغير الآخر.
ولذا لزم أن يكون تناول الموضوع بعيدا عن تلك الشعارات السطحية التي تدعو لتحرير المرأة، فالمشكلة لا تتحدد في الجنس اللطيف فحسب، بل هي فوق ذلك تتعلق بتقدم المجتمع وتحديد مستقبله وحضارته.
والأسئلة المثارة حول المرأة لا ينبغي أن يكون الجواب عنها بدافع من مصلحة المرأة وحدها، بل بدافع من مصلحة المجتمع وتقدمه الحضاري، إذ ليست الغاية من البحث في اشتراكها في هذا المجتمع إلا الإفادة منها في رفع مستوى المرأة ذاتها،  فالمصلحة العامة تقتضي أن ننظر الى مشكلتها بمنظار شمولي.
فتحرير المرأة على حساب المجتمع معناه تدهور المجتمع، وبالتالي تدهورها؛ لأنها عضو فيه.
فالقضية ليست قضية فرد، وإنما قضية مجتمع.
فالمرأة المسلمة التي سلكت في سيرها الاجتماعي الطريق الذي رسمته أوربا لنسائها، متخيِّلة أن في ذلك حلا لمشكلتها الاجتماعية. يؤسفنا أن نقول؛ بأنها تصورت الأمر ببساطة وسذاجة، حين رأت أن مشكلتها قد تحل بمثل هذا التقليد لنساء أوربا.
والحق أن مشكلة المرأة مشكلة إنسانية يتوقف على حلها تقدم المدنية، فلا يكون حلها بمجرد تقليد ظاهري لأفعال المرأة الأوربية، دون ما نظر إلى الأسس التي بنت عليها المرأة الأوربية سيرها، وتحديد مهمة المرأة ينبغي أن يُنظر إليها بانسجام مع المشكلات الاجتماعية الأخرى في سبيل إصلاح المجتمع ونهضته…
وبشيء من التأمل والنظر يتضح أن الانتقال بالمرأة من الحجاب إلى السفور، لم يحل المشكلة، فهي لا تزال قائمة، والذي تم فعله هو مجرد نقل المرأة من حالة إلى حالة، وأن انتقالها هذا عقّد المشكلة بعد أن كانت بسيطة، فحال المرأة الأروبية يدعو إلى الرثاء، وظهورها بمظهر لا يخاطب في نفس الفرد إلا غريزته، أثار مفاسد جديدة ومعقدة، كمشكلة النسل، إذ أنها فقدت تنظيمها الإجتماعي، وجعلت المجتمع يعد العلاقات الجنسية مجرد تسلية للنفوس المتعطلة، وبذلك فقدت وظيفتها في حفظ الأسرة وبقاء المجتمع…
وأما مسألة الموضة، فالزي الذي تختاره المرأة لنفسها يوضح الدور الذي تريد تمثيله في المجتمع وتمثله فعلا، فاللباس الفتان المثير، لا يكشف عن معنى الأنوثة، بل عن عورة الأنثى، فهو يؤكد المعنى الجسدي الذي يتمسك به مجتمع ساده الغرام باللذة العاجلة…
وعلى نقيض هذا نجد من يشدد على المرأة ويلزمها بأشياء لم يأتِ بها الشرع الحكيم، مكرسين للركود والانحطاط الذي يطبع مجتمعاتنا، وهذا يعبر أحيانا عما يراود نفوسنا من رياء أو نفاق.
فالأمر يجري في كلتا الحالتين بين تفريط وإفراط، ومن الواجب أن توضع المرأة في منزلتها المناسبة حيث تؤدي دورها في بناء الحضارة، وملهمة لذوق الجمال وروح الأخلاق، ذلك الدور الذي بعثها الله فيه أماً وأختاً وبنتاً وزوجة للرجل…
وأما تحديد عمل المرأة في المجتمع فجدير بالاعتبار، لأن المرأة الأوربية كانت ضحية هذا الاعتبار، ذلك أن المجتمع الذي (حررها!) قذف بها إلى أتون المصنع والمكتب، وقال لها: (عليك أن تأكلي من عرق جبينك)، في بيئة ممتلئة بالأخطار على أخلاقها، وتركها في حرية مشؤومة، ليس لها ولا للمجتمع فيها نفع، ففقدت -وهي مخزن العواطف الإنسانية- الشعور بالعاطفة نحو الأسرة، وأصبحت بما ألقي عليها من متاعب العمل صورة مشوهة للرجل، دون أن تبقى إمرأة، فجنى المجتمع ثمارا فاسدة.
وهكذا حرم المجتمع من هذا العنصر المهم في بناء الأسرة، وهو العنصر الأساسي فيها.
وختاما، فإننا نرى المرأة المسلمة اليوم تسير متطورة في زيها ومسلكها، دون أن نعرف وجهتها وطريقها ولا أن ندرك هدفها، لأن مجتمعنا يسير مستسلما للحوادث والأيام.
الواقع أن حال المرأة في تطور، لكننا لم نشرع بعد في التخطيط الدقيق لجميع أطوارها، فنحن نراها تسابق في الحياة العامة، عاملة ومولدة وطبيبة ومدرسة وعاملة في المصنع ونائبة ووزيرة… دون أن نقدم تخطيطا يمس القضايا الجوهرية بفكر شمولي ونظر مقاصدي.
استفاده واختصره بتصرف: محمد حميت
من كتاب (شروط النهضة) للمفكر مالك بن نبي.

وسوم :

مواد ذات صلة

وحش الحرية

تاريخ النشر : 3/08/2022

عدد المشاهدات : 1235

رسالة مفتوحة إلى الأستاذة أمينة بوعياش

تاريخ النشر : 29/06/2022

عدد المشاهدات : 854

المساواة في الإرث

تاريخ النشر : 26/06/2022

عدد المشاهدات : 1457

هل كرم الإسلام المرأة؟

تاريخ النشر : 15/04/2018

عدد المشاهدات : 1355

خلفية المطالبة بتغيير نظام الإرث

تاريخ النشر : 3/04/2018

عدد المشاهدات : 1477

الأسئلة العقلانية في قضية الإرث

تاريخ النشر : 26/03/2018

عدد المشاهدات : 1867

'