لقد فطن العلماء في مختلف الفنون ومن مختلف الملل؛ حينما طوروا التعليم في هيئة أكاديميات وجامعات إلى ضرورة أمرين:
1-المكتبات الجامعية التي يلزم الطلاب بارتيادها للمطالعة والكتابة؛ بل إن الجامعات الغربية تقيس تميز الطلاب بقدر الكتب المقروءة في اليوم، وبعدد الساعات التي يقضيها الطالب في المكتبة؛ فأكثرهم اهتماماً بها والتهاماً لها هو الأفضل إنتاجاً والأذكى استنتاجاً؛ وهو الأحظى بالحوافز والجوائز ..
2-بحوث التقييم وأطاريح التخرج التي يلزم بها الطالب للبرهنة على حسن التمكن واستيعاب المعارف والقدرة على الإضافة؛ لأن برهان القلم بمثابة الخاتم تصديقاً وتزييناً؛ والله أعلم ..
ومن هذا المنطلق فإننا في مؤسسة ابن تاشفين نسعى لتحقيق هذا المطلب ومساعدة طلابنا في الرقي بفكرهم وعلمهم وتجويد خطابهم وكتابهم؛ بمزج المعلومات بالمهارات
وربط القناعات بالسلوكيات ..
وهذا عين معين العلم والدعوة والإصلاح …
وسنلخص بحول الله في هذه الورقه، من مختلف المراجع والتجارب؛ بعض النقاط المهمة التي نعتبرها مذكرة للبحث، والتي نود أن يتوحد عليها إخواننا الباحثون وأخواتنا الباحثات؛ فتحقق بينهم الانسجام المطلوب والتناسق المرغوب كالطلع النضيد من العقل الرشيد؛؟سواء في التأليف أو في التحقيق:
-1- فتنظيم الوقت وترتيب الخطوات والقراءة بنهم وتركيز؛
هي أول معطى للمتوكل على الله في قصد الإبداع جديةً وجِدة وجودة؛ فيما يكتب ويبحث من المقالة المركزة إلى الرسالة المتخصصة كبحث جامعي؛ إلى الكتاب المتوسع بمثابة الماستر أو الدكتوراه أو المشاريع الأكبر والأهم ،،
-2- فالبحث هو “كشف الحقائق وتقريبها للناس”
وتحت هذا المعنى تندرج أنواع التأليف السبعة التي سماها علماؤنا كالإمام ابن حزم في تقريب المنطق ومن تبعه؛
قال الهلالي:
في سبعة حصروا مقاصد العُقَلا = مِنَ التآليفِ فاحفظها تنلْ أمَلا
أَبْدِعْ ، تمامَ ، بيانٍ ، لاختصاركَ في = جَمْعٍ ، وَ رَتِّبْ ، و أَصْلِحْ يا أخي الخللا
ولخَّصهَا الإمام ابن العربي المالكي في شرحه على الترمذي مجملةً، بقوله:
“ولا ينبغي لحصيفٍ يتصدَّى إلى تصنيفٍ أن يعدلَ عن غرضين:
– إما أن يخترعَ معنى
– أو يبتدع وضعاً ومتناً، حسبَ ما قررناه في: “قانون التأويل”، وربطناه في: “التحصيل”، من الجمل والتفصيل. وما سوى هذين الوجهين، فهو تسويدُ الوَرَق، والتحلِّي بحلية السرق”.
وجاء فى أزهار الرياض (3\34-35):
ألا فاعلمنْ أن التآليف سبعةٌ = لكل لبيب في النصيحة خالصِ
فشرحٌ لإغلاقٍ وتصحيحُ مخطئٍ = وإبداعُ حَبْرٍ مُقْدِمٍ غير ناكصِ
وترتيبُ منثور وجمعُ مُفَرَّقٍ = وتقصيرُ تطويلٍ وتتميمُ ناقصِ
وتكلموا في آدابها كالحافظ السيوطي في التعريف بآداب التصنيف ..
وانظر كتابا للدكتور زيد الرمانى بعنوان: “الأربعون من أسباب التأليف وأسرار التصانيف“؛ مطبوع فى مدار الوطن بالرياض ..
وقد كتب بعض المعاصرين ما لا يستغنى عنه في هذا السياق وهم كثير؛ ومن المغاربة: أستاذنا الدكتور عباس رحيلة وفقه الله والشيخ فريد الأنصاري في الأبجديات -رحمه الله-
(صغير لطيف في حوالي200 صفحة؛ فاقرأه لزاماً في ساعتين على الأكثر ولا تتجاوز به يوماً إن كنت مشغولاً).
ولذا وصف التأليف بأنه “صناعة” تحتاج مهارةً وتؤدةً من أجل إغناء سوق الفكر بالمبتكرات.
-3- وهنا نطرح أسئلة هامة:
١-لماذا نكتب؟
-الدافع الإيماني
-صدقة جارية للموت
-الإصلاح في المجتمعات
-متعة للحياة
فلا بد لك من هذا النوع من الاستعداد الذهني والفضول الفكري الباعث على الشغف بالقراءة والقلم؛ وحب الدعوة للخير وإرشاد الخلق للمعرفة.
٢-ماذا نكتب؟
النافع لسد ثغرة في مجال فكري أو عملي:
-فنقرأ
-ونتفهم
-ونستشكل
-ونقارن
-فنجيب باستدلال وتفسير واستنتاج وتقسيم وأسلوب؛ يسمى في الأخير: “مؤلَّفا”، وأنت “المؤلِّف” …
وهذا هو ما يخرج الباحث من معرة التعالم التي حذّر منها العلماء؛ كالنووي إذ قال:
“وليحذر كل الحذر أن يشرع في تصنيف ما لم يتأهل له؛ فإن ذلك يضره في دينه وعلمه وعرضه”.
وقد جعل الشاطبي أنفع الطرق لتحصيل العلم بعد مرتبة مشافهة الشيوخ: مرتبة مطالعة المصنفات بشرط التأهل السليم وتحري كتب المحققين؛
“فالأفكار كوجبة شهية لا تستعجل عليها بالنار فتحترق ولا تتركها فتبرد؛
فقمش ثم فتش
اكتب زبالة ثم نظف
اكتب واسترسل ثم دع مدة ثم راجع ونقح ..
واستعن بمن يصحح ويراجع”.
قال ابن معين:
“حكم من يطلب الحديث أن لا يفارق محبرته ومقلمته، وأن لا يحقر شيئا يسمعه فيكتبه”.
-مع الحرص على حسن الانتقاء، وحسن التعبير فيما اختصر منه، وعزو المتفرد إلى قائله، وذكر مراجع تساعد على ما حام حول ذلك المعنى؛ كما ذكر القاسمي -اقتداء بالأولين- في قواعد التحديث:
“لا خفاء أنه من المدارك المهمة في باب التصنيف عزو المسائل والفوائد والنكت إلى أربابها تبرؤاً من انتحال ما ليس له، وترفعاً أن يكون كلابس ثوبي زورٍ؛ ولهذا ترى جميع مسائل هذا الكتاب معزوة إلى أصحابها بحروفها؛ وهذه قاعدتنا فيما جمعناه ونجمعه”.
-فتستوعب مطالعة: المراجع العامة، ثم الأبحاث المتخصصة، ثم المجلات، ثم النشرات، ثم المقالات الجزئية والعناية بالفهارس التي تعرف بالأعمال السابقة في تلك الفكرة بوجهٍ ما ..
وربما احتيج لبعض البرامج السمعية أو المرئية بحسب المقتضي؛ وكذلك أعمال المؤتمرات والندوات المعمقة ..
مع السباحة الواعية في عالم النت.
٣-كيف نكتب؟
أشرنا في ما سبق لبعض الأسس والتي نزيدها توضيحاً بأهمية “الأجوبة على الأسولة” في البحوث الجادة؛ كما ذكرنا في تعريف البحث الذي هو “عملية كشف”؛
والكشف لا بد فيه من أسئلة متعددة ومتنوعة حول “فكرة البحث”؛ الزمان والمكان والأحوال ونحو ذلك؛ فتطرح الموضوع في قالب معضلة وتنسجها في مجموعة من السؤالات الجوهرية والجادة والجريئة ..
ثم سعيك في صياغة الجواب المقنع المبدع عنها هو التأليف المتميز؛ وهو البحث الذي يحقق أهدافه وغايته ،،
فلا بحث بغير مشكلة لها أسئلة تحتاج أجوبة ..
وبعد ذلك تأتي كما سبق مرحلة تجميع المعلومات وتحليلها مقارنةً ومقاربةً؛ وتكثير الفرضيات بطرق متنوعة كالقبعات الست مثلاً بحيث تفترض الفكرة بعقلية سلبية ثم بعقلية إيجابية أو بصفة موافق ثم بصفة معارض ونحو ذلك من التحليل الافتراضي الذي يقوي جوانب الاستيعاب والإقناع؛ وهو ما كان علماؤنا يسمونه “بالفنقلة”؛ أي: فإن قيل كذا فكذا؛ أو ما يسميه الفقهاء “بالفقه الافتراضي”.
وكل ذلك نوع من الذكاء في استقطاب القول الأوفق لمختلف العقول ولشتى الأوضاع؛ بعيدا عما سماه العلماء بالأغلوطات التي فيها افتيات على الشرع أو تشويش على من ليس أهلاً من عوام الناس.
٤-متى نكتب؟
فإذا حددت هذه المعالم وجب بعدها تحديد الوقت المناسب للتنفيذ بغير إيضاعٍ ولا تضييعٍ بلا استعجالٍ ولا استثقالٍ؛ فالعامل الزمني بالغ التأثير من جهتين خاصة:
١-الحفاظ على العمر واغتنامه في تكثير البر
٢-تحقيق التنافسية والمبادرة قبل المصادرة؛
فرب موضوع صلح في وقت لشدة الاحتياج ارتباطاً بواقعة أو فراغاً في السوق؛ ثم حصلت الكفاية فيه بعد سنة؛ فتكون دراستك فيه بعد لغوا وغلوا ..
ويستحسن في هذا المقام إجراء اختبار للنفس مع النفس في مدى أهليتك للكتابة في الموضوع؛ فبعد الفكرة والقراءة النهمة الملتهمة والتخطيط العملي للتصنيف فيها؛ حاوِلْ أن تحاضر ولو في غرفة فارغة أو مع صديق أو صديقين في ذلك الموضوع بمحاضرة شاملة مقسمة في رؤوس أقلام وبتفاعل يؤكد جودة الأفهام؛ فإذا استطعت التحدث في موضوع ساعة كاملة فأنت متمكن منه -لستَ بسارقٍ ولا متطفل- وتستطيع التأليف فيه والتوسع بالكتابة حوله؛ {فتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده}.
-البناء العام:
“الكتابة البليغة والعبارة الرشيقة والفكرة المقنعة والاستدلال الواضح والتصفيف اللطيف..”
فرعاية حسن التقسيم وسطاً؛ لا كبيراً ولا كثيراً؛ أي ليس ذَا قسمين ضخمين مثلاً ولا على أقسامٍ متعددة كسبعة أو عشرة؛
والتقسيم سنة قرآنية نبوية سلفية؛ فقد جعل الله قرآنه آياتٍ وسوراً، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحزب ورده على أربعٍ أو سبعةٍ كالسبع الطوال وكالمئين وكالمثاني وكالمفصل؛ ولذا اهتم القرآن بتفصيل القُرْآنِ أجزاءً وأحزاباً وأنصافاً وأرباعاً وأثماناً؛ حتى يدوم نشاط القارئ ويستلذ الحل والترحال ويقوى ضبطه لظهور المعالم بالعنونة وبالتقاسيم …
فالبحث المعتدل في تقسيمه وتفقيره وتحسين عناوينه أضبط للفكرة وأدعى للإقناع وأسهل في القراءة …
فنصيحتي لإخواني الاهتمام بهذا الأمر دون إفراطٍ ولا تفريطٍ؛ فهو مع الإتقان العلمي كمال وجمال، وإذا فاتَ الإتقانُ لفظاً أو معنىًٰ فهو شكلياتٌ جوفاءُ؛ كما رأينا في بعض الكتيبات التي تنفق عليها أموالٌ طائلةٌ مع أنها خفيفة الفحوى؛ فالمالُ نعمة وقوام وقيمة؛ وصرفه ينبغي أن يكون في الأرشد الأسدِّ.
1 العنوان:
– دالٌّ
– معتدل
– وجاد
– جذاب
مع رعاية المعلومات الجانبية:
– المؤسسة الراعية
– السلسلة الدامجة
– العنوان الفرعي
– التواريخ
– الإشراف
ونحو ذلك لوناً وخطًا ومكاناً ..
2 الإهداء:
– التصميم
– الصفحات الفاصلة
(فكرة-صورة-حكمة…)
3 المقدمة:
-الأهمية وأسباب الاختيار
-الأهداف المرجوة
-الدراسات السابقة مع الملاحظات عليها وتحديد الثغرة التي دفعتك للكتابة
“وأشهر الثغرات كما ذكرتُ لكم في “الملتقى الوطني الأول“؛ ثلاثة:
-١-في الموضوع
-٢-في الجمهور
-٣- في الطريقة
-تقريب موجز لبنية البحث
-العقبات والشكر والتنويه
4 الموضوع:
-التمهيد
-الفصول ما بين 3 إلى 5 غالباً
-تحت كل فصل أبواب بنفس العدد
-وتحت كل باب مسائل بنفس العدد
-وتحت المسائل تنبيهات أو فوائد ونحو ذلك في فقرات؛ كل فقرة ذات جملةٍ أساسية بارزة تربطها بالتي قبلها -مع رعاية الهوامش- والعناوين الفرعية للفقرات
-والفقرة في الغالب لا تتجاوز 5 إلى 10 أسطر.
فإن احتجت للزيادة قسمت إلى فقرة أخرى ..
وهكذا؛ فالفقرات هي جمال الصفحات
-فاجعل لكل صفحة من 3 إلى 5 فقرات؛ فهذا مثالي يجعل تصنيفك كفسيفساء الأندلس روعةً وكمالاً، ويعين قارئك ويرشح الناس للأخذ عنك والنقل منك والإحالة عليك؛ لأنك أعنتهم بتفصيل مقاطع سهلة الحمل من بين آلاف الجمل؛ كما لو أنك صغتَ الفكرة حكمةً أو جعلتها سبائك ذهبية كل سبيكة في حِرْزٍ منمق …
-ووفيات الأعلام في الصلب والإشارة لتراجم غير المشهورين
-تبيين المصطلحات
-وعلامات الترقيم
-تجنب الاستطراد والخطاب الوعظي
-حضور شخصية الباحث ولمساته بين النقول والعقول
-ترتيب المصادر في العزو ..
5 الخاتمة:
الخلاصة والنتائج والتوصيات
وربما ملاحق أو وثائق أو جداول أو إحصاءات ..
الفهارس:
بحسب البحث تتنوع طرائقها؛ وهي عندنا تكتب ثلاث مرات: -تكتب أول انقداح الفكرة لموضوع فتكتب له فهرسا من ذهنك للتصور الأول؛
وعليه تبني كراسة المسودة وقصاصات المعلومات والإحالات.
-ثم إذا بدأت رحلة البحث؛ فإنك تعدل في الأول زيادة ونقصاً.
-ثم إذا كتبت الكتابة الأخيرة فإنك تجعل الفهرس الأخير؛ كما أنك تعيد المقدمة التي لا تكتب أصالةً إلا أخيرة فهي آخر ما يكتب ..
فصل
ومع هذا وذاك؛ فلم أر أعون للمؤلف بعد عون الله تعالى من ثلاثة أشياء:
١-التثقيف الدائم الواسع فهو مطالع متنوع متابع …
٢-التدريب المتواصل بحيث لا يهجر القلمين لسان الكتابة ولسان الخطابة؛ ليوظف آلة البناء ساعة آلياتِ العطاء؛ فلا هو متحجر في متون ولا هو سابح بالظنون؛ وقد جعل الله لكل شيء قدراً.
وهذا هو الفرق الجوهري بين العالِم المنتج المُفَرِّج، والدَّعِي الهائج المهرج المتفرج.
فإياك والمكتفين بالعناوين أو الجامدين المقلدين..
٣-وهو التحفز المستمر بتجارب المنجزين ومنافسة المتميزين واستقصاء أفكارهم ومنتهى أعمالهم، ومحاولة الاستيحاء والإضافة والمفاضلة …
فاجعل لائحة بأسماء أهم ثلاثةٍ إلى عَشَرَةٍ من المعاصرين في التخصص والتثقيف من موافق ومخالف، واجعل لرصدهم في بريدك موقعاً …
وإذا أردت لذهنك نوعاً من الثقافة العالية الغالية فأوصيك بعشرة:
العلامة كنون والعلامة الإبراهيمي ومحمود شاكر وأبوالحسن الندوي والقرضاوي وبكر بن عبد الله أبو زيد وفريد الأنصاري وسلمان العودة وعبد الوهاب المسيري ومالك ابن نبي الذي كان يقول فيه شيخي الإمام ابن عدود رحمه الله تعالى:
إن قيل مَنْ فيلسوفُ الدين بينكُمُ = قلنا -بلا تَرَوٍّ- مالكُ ابْنُ نَبِي
فهؤلاء من أبرز الأقلام الإسلامية السنية الإصلاحية الشمولية …
وافعل بمثل ذلك في الأقلام الجادة؛ كالشيخ حمّاد القباج المغربي والشيخ إبراهيم السكران السعودي والشيخ أحمد سالم أبو فهر المصري ..
والمواقع الناجحة؛ كملتقى أهل التفسير ومركز تأصيل ومراكز الرابطة المحمدية والمجلات المُحكمة؛ كمجلة البيان والجرائد المحترمة؛ ك “جريدة السبيل” في المغرب …
وأنصحك بقراءة كتاب “المشوق للقراءة وطلب العلم“؛ لعلي العمران، وكتاب “الشذرات في أخبار الكتب والكتَّاب والمكتبات“؛ لعبد العال الرشيدي
الطباعة والنشر:
(تنبيه واقعي لا يضر المخلصين المحسنين!)
أما مآل الكتاب بعدُ فكان الله في عون الباحثين أمام كثرة الزبد وازدحام السوق وجشع الطابعين واستغلال الناشرين والموزعين …
ومع ذلك فالصبر مطلوب وغض الطرف واجب والقناعة أمر حتمي لمن صار مشهوراً وحتمي للمبتدئ المغمور ريثما يتكون عنده القرأةُ والجمهور مع وجوب المجاهدة لمناهضة الأمية بكل أشكالها في زمن صارت القراءة من أسوإ ضحاياه وصار الكتاب من أشد أهله غربةً عند المثقفين فضلاً غيرهم من العوام …
وكان بعض شيوخي في أصول الفقه يذهب للمكتبات ويقول لي ذهبت أزور كتابي المريض في رفوف مكتبات الإهمال؛ فلا مال ولا استعمال!
وقبل الختم على ما إليه توصلت بحسن الظن بربك أن يبلغك الكمال المنشود فلا بأس أن تعيد على نفسك طرح ما يسميه أهل المناهج بأسئلة الدراسة التسعة لتنظر في منزلتك بين الوفاء والتطفيف:
1• هل الدِّراسة كانت محدَّدةً وواضحةً بالنِّسبة لمشكلة الدِّراسة وأبوابها مستوفية؟
2• هل حققت هدفها ويمكن أن تغيِّر شيئاً لإصلاح الواقع؟
3• هل اعترضَتْ الباحثُ مشكلةً صَعُبَ على الباحث حلُّها؟
4• هل أحسن الباحثُ جمعَ المادَّةِ العلميَّة ووثَّقها مِنْ مظانِّها؟
5• ما الموضوعات التي لم يفهمها الباحث أو عانى منها، وأدرجهَا في الدِّراسة أو أدرج ما هو بعيد ؟
6• ما الموضوعات التي كانت أكثر إثارة بالنسبة للدِّراسة وهل يمكن إضافة شيء مهم ؟
7• هل كُتبت الموضوعات بلُغةٍ مفهُومةٍ وسهلة؟
8• ما مدى انتشار هذه الدِّراسة بين أوساط الباحثين و مدى تقييمهم لها واستمرارها ؟
9• هل هناك توازن بين حَجم الدِّراسة من حيث الكمِّ والكيف و مقارنتها بدراسات مشابهة ؟
(بعضهم يجعلها نحو ثلاثين سؤالاً هذه خلاصتها)
وانظر للتوسع:
-“كيف تكتب بحثاً” للدكتور أبو الروس
-ومناهج البحث لشيخنا الدكتور فلاتة المدني -وقد قرأته عليه في المدينة المنورة-
-والبحث الفقهي لشيخنا سليمان عبد الوهاب المكي
-وفن التأليف لأستاذنا السويدان
-وأصول التأليف لمحمد علي جعلوك
وغيرها كثير جدا ..
وما ذكرناه في هذه المذكرة؛ زبدة ما يحتاج إلى التذكرة به الباحث المتميز؛ وما عداه معلوم في فطرته جار على سجيته، وفيه ما يسعه نظر الاختيار والتنوع فلا حرج …
وأختم بما قاله شيخ الإسلام في جواب الاعتراضات المصرية على الفتيا الحموية؛ أنه “ليس كل من وجد العلم قدر على التعبير عنه والاحتجاج له، فالعلم شيء، وبيانه شيء آخر.
والمناظرة عنه وإقامة دليله شيء ثالث.
والجواب عن حجة مخالفه شيء رابع”اهـ.
وأزيد:
والتأليف فيه على هذا النحو إتقانا وإحسانا شيء خامس؛ هو تمام الحسن وغاية البيان في حمل رسالة العلم ووراثة مقام النبوة وحظها الوافر …
والله تعالى الموفق.