تاريخ النشر : 27/09/2015
عدد المشاهدات : 958
حكم ما تفعله داعش من قتل الصحافيين في الحرب
بقلم: حماد القباج
من أشنع التصرفات التي تصدر من مقاتلي داعش: قتل الصحافيين والقائمين على الأعمال الإنسانية الإغاثية، وغيرهم من الذين لا يقاتلون ..
وهذا غير مستغرب من أحفاد الخوارج القدامى الذين تجرؤوا على قتل الصحابة رضي الله عنهم:
قال الطبري في كتابه “أخبار الرسل والملوك”:
حدثني يعقوب، قال: حدثني إسماعيل، قال: أخبرنا أيوب، عن حميد بن هلال، عن رجل من عبد القيس كان من الخوارج ثم فارقهم، قال:
“دخلوا قريةً، فخرج عبد الله بن خباب صاحب رسول الله ذعراً يجر رداءه، فقالوا: لم ترع؟
فقال: والله لقد ذعرتموني!
قالوا: أأنت عبد الله بن خباب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: نعم، قالوا: فهل سمعت من أبيك حديثاً يحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر فتنةً، القاعد فيها خيرٌ من القائم، والقائم فيها خيرٌ من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي قال: فإن أدركتم ذلك فكن يا عبد الله المقتول ولا تكن يا عبد الله القاتل”؟
قال: نعم؛
قال: “فقدموه على ضفة النهر، فضربوا عنقه، فسال دمه كأنه شراك نعل، وبقروا بطن أم ولده عما في بطنها”.
فسلوك القتل بهذه الوحشية وعدم التمييز؛ من صميم فكر هؤلاء.
كما أنه من سياسة الجبابرة الطغاة في كل زمان؛ كما تفعل اليوم الولايات المتحدة الأمريكية في حروبها؛ ولا تزال مشاهد التدمير والتخريب الذي فعلته في العراق وأفغانستان حاضرة في الأذهان ..
أما الفقه الإسلامي؛ فقد حرم على المسلمين قتل كل من لا يحاربهم ..
والأصل في ذلك مجموعة من النصوص؛ أولها قول الله تعالى في أول ما أنزل في تشريع جهاد القتال:
{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190]
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ولا تعتدوا} يقول: “لا تقتلوا النساء والصبيان ولا الشيخ الكبير ولا من ألقى السلم وكف يده فإن فعلتم فقد اعتديتم”.
وأخرج وكيع وابن أبي شيبة عن يحيى بن يحيى الغساني قال: كتبت إلي عمر بن عبد العزيز أسأله عن هذه الآية {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} ؟
فكتب إلي أن ذلك في النساء والذرية ومن لم ينصب لك الحرب”.
وفي الصحيحين عن ابن عمر قال: وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أنس قال كنا إذا استنفرنا نزلنا بظهر المدينة حتى يخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: “انطلقوا بسم الله وفي سبيل الله تقاتلون أعداء الله لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا صغيرا ولا امرأة ولا تغلوا“.
قال الإمام القرطبي:
“والقتال لا يكون في النساء ولا في الصبيان ومن أشبههم، كالرهبان والزمنى والشيوخ والأجراء فلا يقتلون.
وبهذا أوصى أبو بكر الصديق رضي الله عنه يزيد بن أبي سفيان حين أرسله إلى الشام، إلا أن يكون لهؤلاء إذاية، أخرجه مالك وغيره”. [تفسير القرطبي (2/ 348)]
وقال في تعداد من يحرم قتلهم:
1 الرهبان:
لا يقتلون ولا يسترقون، بل يترك لهم ما يعيشون به من أموالهم، وهذا إذا انفردوا عن أهل الكفر، لقول أبي بكر ليزيد: “وستجد أقواما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله، فذرهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له”.
2 الشيوخ:
قال مالك في كتاب محمد: لا يقتلون.
والذي عليه جمهور الفقهاء: إن كان شيخا كبيرا هرما لا يطيق القتال، ولا ينتفع به في رأي ولا مدافعة فإنه لا يقتل، وبه قال مالك وأبو حنيفة.
وللشافعي قولان:
أحدهما: مثل قول الجماعة.
والثاني: يقتل هو والراهب.
والصحيح الأول لقول أبي بكر ليزيد، ولا مخالف له فثبت أنه إجماع. وأيضا فإنه ممن لا يقاتل ولا يعين العدو فلا يجوز قتله كالمرأة”.
3 العسفاء:
وهم الأجراء والفلاحون، فقال مالك في كتاب محمد: لا يقتلون.
وقال الشافعي: يقتل الفلاحون والأجراء والشيوخ الكبار إلا أن يسلموا أو يؤدوا الجزية.
والأول أصح؛ لقوله عليه السلام في حديث رباح بن الربيع: “إلحق بخالد بن الوليد؛ فلا يقتلن ذرية ولا عسيفا”.
وقال عمر بن الخطاب: “اتقوا الله في الذرية والفلاحين الذي لا ينصبون لكم الحرب”.
وكان عمر بن عبد العزيز لا يقتل حراثا؛ ذكره ابن المنذر”.
فثبت بهذا التقرير الفقهي المخرج على الآية الكريمة؛ أن قتل من لا يقاتل: حكمه التحريم في الفقه الإسلامي.
ومما يجدر توضيحه أن هذا الحكم يتأكد كلما كان الإنسان غير المسلم بعيدا عن الحرب وأهدافها وقريبا من الخير وأفعاله؛ ومن أولى الناس بهذا الحكم: الصحافيون الذين يوثقون الأحداث كما هي وينقلونها للناس كي يظهر أهل الخير وأهل الشر.
وأولى منهم بالحكم: أصحاب الأعمال الإغاثية الذين يطعمون الجوعى ويداوون المرضى ويأوون المشردين ..
والله تعالى أعلم.
وسوم :النوازل الفقهية
ننوه الى أن ما ننشره من مواد للسادة والسيدات العلماء والمفكرين والمثقفين والسياسيين، لا يلزم منه الاتفاق معهم في كل أفكارهم وآرائهم
Nous précisons que le contenu publié d'un tiers auteurs n'implique pas que nous sommes forcément d'accord avec l'ensemble de ses idées.
Designed by Khalil BI