تاريخ النشر : 4/08/2015
عدد المشاهدات : 4690
بقلم: حماد القباج
من الأخطاء التي نشأ عليها بعض الطلبة والباحثين، وانسحبت على بعض تصوراتهم وأبحاثهم وأحكامهم:
التعامل مع بعض المصطلحات على أنها ألفاظ ذات معنى واحد؛ يتعلق به مدح مطلق أو قدح مطلق ..
ومن مفاسد هذا الخطأ أنه يقود إلى اتخاذ المواقف التي قد تتسم بقليل أو كثير من الانحراف؛ كالمقاطعة والتهاجر بين المسلمين، وقطع التعاون فيما بينهم …
ومن المصطلحات التي وقع فيها ذلك: السلفية والأشعرية ..
ولا بد قبل الشروع في نقد ما أراه خطأ في التعامل مع المصطلحين؛ لا بد أن أستبعد من النقد ما يتعلق به واجب شرعي؛ وهو رد الخطأ ونصح صاحبه وبيان الصواب والحث على التمسك به؛ فهذا القدر متفق عليه.
أقول ذلك لأنني أعرف أن قلمي يترصده بعض من نذروا أنفسهم للرد علي ومحاولة التنفير مني؛ وهؤلاء يوهمون بأن مقالاتي ومواقفي النقدية التصحيحية؛ تراجع عن الحق، ورد على أهله!
ومن الحق الذي أرد على أهله في زعمهم: الرد على المخالف والتحذير من الأخطاء الشرعية!
مصطلح السلفية:
أما لفظ السلفية في جوهر معناه: فهو الاقتداء بهدي من سلف من الرسل والأنبياء عليهم السلام؛ كما قال الله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90]
وعلى مستوى الأمة الإسلامية: اصطلح عليه العلماء اختصارا لمنهاج الاتباع ذي الأصول الثلاثة:
1 اتباع القرآن والاعتصام به
2 اتباع السنة والتمسك بها
3 اتباع سبيل المؤمنين
فبعض العلماء أطلق على هذا الاتباع: مصطلح السلفية؛ وأشهرهم: شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة الألباني رحمهما الله تعالى، وبذلك أضحى المصطلح رديفا لمصطلحات: أهل السنة، أهل الحديث، أهل السنة والجماعة، أهل الاتباع ..
وإذا كان هذا المصطلح يستعمل عند العلماء للتيسير والتمييز والتقريب؛ فإن بعض طلبة العلم انحرفوا به عن هذا المقصد الشرعي ووظفوه توظيفا سلبيا؛ ينتقل مناط الحكم فيه من المنهاج؛ إلى أشخاص أو أفكار وتصورات أو اجتهادات، من خالفها أو انتقدها خرج من السلفية!
وهذا يعمق الفرقة والنزاع، ويقلب المصطلح من وسيلة للفهم والتمييز إلى أداة للحيرة والتلبيس ..
وهنا يتدخل الفاعل السياسي ليعمق الهوة ويرسخ الفرقة بمسميات باطلة: السلفية المدخلية والجامية والعلمية والتقليدية والجهادية .. إلـخ.
ومن إفرازات هذا الجنوح بمعنى السلفية: هجوم بعض الطلبة على حمى علماء كبار وإخراجهم من دائرة السلفية بما يوهم أنهم خارجون عن أصول الاتباع المذكورة ..
والحق أن أخطاءهم وزلاتهم لا تصل بهم إلى ذلك الحد، وكان الأولى بمن أخرجهم من السلفية أن يحدد مفهومه هو أو جماعته للسلفية، وهنا سيجد أن ذلك العالم نفسه يتبرأ من سلفيته الحزبية التي تحجر الواسع من فضل الله وتنصب نفسها حاكمة على خيرة عباد الله من العلماء والمصلحين ..
مصطلح الأشعرية وعقيدة الأشعري:
أما مصطلح الأشعرية؛ فالمراد به ابتداء وأصالة: مذهب الإمام أبي الحسن الأشعري في العقيدة ..
ومعلوم أن فكر الإمام الأشعري مر بثلاثة مراحل:
قال الإمام الزبيدي في (إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين)([1]):
“قال ابن كثير رحمه الله: “ذكروا للشيخ أبي الحسن الأشعري ثلاثة أحوال: أولها: حال الاعتزال التي رجع عنها لا محالة، والحال الثاني: إثبات الصفات العقلية السبعة وهي: الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام، وتأويل الخبرية كالوجه واليدين والقدم والساق ونحو ذلك، والحال الثالث: إثبات ذلك كله أي كل الصفات من غير تكييف ولا تشبيه جريا على منوال السلف وهي طريقته في الإبانة التي صنفها آخرا”.
وقد ذكر الحافظ ابن كثير في طبقات الشافعية أن رجوع أبي الحسن عن معتقد الكلابية كان على يد تلميذ الإمام أحمد؛ الحافظ أبي زكريا الساجي رحمه الله.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه (درء تعارض العقل و النقل)([2]): “والأشعري يُثبت الصفات بالشرع تارة وبالعقل أخرى، و لهذا يثبت العلو ونحوَه مما تنفيه المعتزلة ويثبت الاستواء على العرش ويرد على من تأوله بالاستيلاء ونحوه مما لا يختص بالعرش”.
قال: “وليس للأشعري نفسه في إثبات صفة الوجه واليد والاستواء وتأويل نصوصها قولان، بل لم يختلف قوله أنه يُثبتها ولا يقف فيها بل يُبطل تأويلات من ينفيها”([3]).
وما أثبته المحققون من أمثال ابن تيمية وابن كثير والمقريزي وابن عساكر وغيرهم من رجوع أبي الحسن الأشعري إلى عقيدة السلف أثبته الأشعري نفسُه في مصنفاته الأربعة: “الإبانة عن أصول الديانة”، و”رسالة إلى أهل الثغر”، و”مقالات الإسلاميين”؛ الذي ذكر فيه عقائد الفرق الثنتين والسبعين، كما بين عقيدة الفرقة الناجية؛ انطلاقا من الحديث المعروف في افتراق الأمة، وله أيضا كتاب “الإيمان” وقد أجاب فيه عن سؤال وَرَدَ إليه وهو: هل الإيمان مخلوق أو لا؟ فأجاب بأن هذا السؤال بدعة وقرر فيه العقيدة كما جاءت في القرآن والسنة وكما بينها الأئمة ومنهم الإمام أحمد رحمه الله.
فهذه كتُبُه الأربعة التي أثبت فيها العقيدةَ السلفية؛ وفيما يلي نقولات منها:
قال رحمه الله: “وأجمعوا على أنه عز وجل يسمع ويرى، وأن له تعالى يدين مبسوطتين، وأن الأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه من غير أن يكون جوارحا، وأن يديه تعالى غير نعمته.
وقد دل على ذلك تشريفه لآدم عليه السلام حيث خلقه بيده، وتقريعه لإبليس على الاستكبار عن السجود مع ما شرفه به بقوله: {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي}”اهـ([4]).
قلت: هذا الكلام واضح جدا، وهو الإجماع السابع من إجماعات أهل السنة التي أثبتها الإمام الأشعري رحمه الله، وانظروا إلى استدلاله بحديث خلقِ الله تعالى آدم بيده، وأن هذا مزية له، وقارنوا هذا بتأويل الإمام الغزالي رحمه الله له في كتابه “إحياء علوم الدين” حين فسر اليد بالنعمة ورَدَّ على من استدل بهذا الحديث.
وقال الأشعري في الإجماع الثامن من الكتاب نفسه: “وأجمعوا على أنه عز وجل يجيء يوم القيامة والملك صفا صفا لعرض الأمم وحسابها وعقابها وثوابها فيغفر لمن يشاء من المذنبين، ويعذب منهم من يشاء كما قال، و ليس مجيئُه حركةً ولا زوالا، وإنما يكون المجيء حركة وزوالا إذا كان الجائي جسما أو جوهرا، فإذا ثبت أنه عز و جل ليس بجسم ولا جوهر لم يجب أن يكون مجيئه نقلة أو حركة. ألا ترى أنهم لا يريدون بقولهم: جاءت زيدا الحمى؛ أنها تنقلت إليه أو تحركت من مكان كانت فيه إذ لم تكن جسما ولا جوهرا، و إنما مجيئُها إليه وجودُها به. وأنه عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا كما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم وليس نزوله نقلة، لأنه ليس بجسم ولا جوهر وقد نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم عند من خالفنا”([5]).
وأورد هنا نقلا من كتابه “مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين”، وقد ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في القاعدة المراكشية، مبينا لأهل مراكش والمغرب أن هذا هو معتقد الأشعري، وأن ما انتشر عندهم بعد مجيء محمد بن تومرت ليس هو معتقده.
قال أبو الحسن: “ذكر مقالة أهل السنة وأصحاب الحديث: وجملة قولهم: الإقرار بالله عز وجل وملائكته وكتبه ورسله وبما جاء من عند الله و ما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه و سلم، لا يردون من ذلك شيئا…، قال: وأن الله على عرشه كما قال “الرحمن على العرش استوى” و أن له يدين بلا كيف كما قال تعالى “لما خلقت بيدي” و أقروا أن لله علما كما قال “أنزله بعلمه” “وما تحمل من أثنى و ما تضع إلا بعلمه” وأثبتوا السمع والبصر ولم ينفوا ذلك عن الله كما نفته المعتزلة”([6]).
وقال أيضا: “ويقولون بأن كلام الله غير مخلوق، ويصدقون بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل: “إن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيقول: “هل من مستغفر فأغفر له” كما جاء في الحديث، ويقرون أن الله تعالى يجيء يوم القيامة كما قال “وجاء ربك و الملك صفا صفا” و أن الله يقرب من خلقه كيف شاء كما قال “ونحن أقرب إليه من حبل الوريد“.
وذكر معتقد أهل السنة والجماعة ثم قال:”فهذه جملة ما يأمرون به ويستعملونه ويرونه وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول و إليه نذهب“([7]).
وأما كتابه الإبانة فقد ذكر فيه أيضا معتقد السلف وأطنَبَ في ذلك، و ذكر ذلك أيضا شيخ الإسلام بن تيمية في المراكشية، وأُثبت من ذلك فقرة في الرد على من تأول الاستواء بالاستيلاء كما ذهب إلى ذلك كثير من الأشاعرة وجزم به الغزالي في عدد من كتبه ومنها كتابه المختصر في المعتقد.
قال أبو الحسن: “وقد قال قائلون من المعتزلة والجهمية والحرورية أن معنى استوى استولى وملك وقهَر وأن الله في كل مكان، وجحدوا أن يكون الله على عرشه كما قال أهل الحق، وذهبوا في الاستواء إلى القدرة فلو كان كما قالوا، كان لا فرق بين العرش والأرض السابعة لأن الله قادر على كل شيء؛ والأرضُ فالله قادر عليها وعلى الحشوش و الأخلية فلو كان مستويا على العرش بمعنى الاستيلاء لجاز أن يقال هو مستوي على الأشياء كلها، و لما لم يجز عند أحد من المسلمين أن يقال إن الله مستو على الأشياء كلها و على الحشوش و الأخلية، بطل أن يكون معنى الاستواء على العرش الاستيلاء الذي هو عام في الأشياء كلها”.
وأختم النقل عنه بقوله في كتاب “الإبانة”: “فإن قال قائل قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحَرورية والرافضة والمرجئة فعرِّفونا قولكم الذي كنتم به تقولون وديانتكم التي بها تدينون”.
“قولنا الذي به نقول وديانتنا التي بها ندين التمسك بكتاب الله تعالى و سنة نبيه صلى الله عليه و سلم و ما روي عن الصحابة و التابعين و أئمة الحديث و نحن بذلك معتصمون و بما كان عليه أحمد بن محمد بن حنبل نضَّر الله وجهه قائلون، و لما خالف قوله مجانبون لأنه الإمام الفاضل و الرئيس الكامل الذي أبان الله به الحق عند ظهور الضلال، و أوضح به المنهاج و قَمَع به بدع المبتدعين و زيغِ الزائغين وشك الشاكين فرحمة الله عليه من إمام مقدم و كبير مفهم و على جميع أئمة المسلمين”([8]).
قال محب الدين الخطيب رحمه الله: “أما الأشعرية – أي المذهب المنسوب إليه في علم الكلام– فكما أنه لا يُمَثِّل الأشعري في طور اعتزاله، فإنه ليس من الإنصاف أيضا أن يُلصَقَ به فيما أراد أن يلقى الله عليه، بل هو – أي المذهب الأشعري – مُستَمد من أقواله التي كان عليها في الطور الثاني، ثم عدل عن كثير منها في آخرته التي أتمها الله عليه بالحسنى”([9]).
وهذه الحقيقة شهد بها المستشرقون أنفسهم! كما جاء في دائرة المعارف الإسلامية: “إن منهج الأشعري في التدليل في عين القارئ الأوروبي لا يختلف للنظرة الأولى عن منهج أتباع أحمد بن حنبل المغالين في المحافظة، ذلك أن كثيرا من حُجَجِه يقوم على تفسير القرآن والحديث، على أن السبب في ذلك كان مرجِعُه إلى أن خُصُومِه أيضا بما فيهم المعتزلةُ أنفسُهم قد استعانوا بحجج من هذا القبيل، و أن الأشعري كان يعتمد دائما على مخاطبة عواطف المرء لا عقلِه. و مع ذلك فإن خصومه حين يُسَلِّمون بدليل عقلي صِرفٍ، فإن الأشعري كان لا يتردد في استخدامه في دحض أقوالهم، وما إن تقرر جواز مثل هذه الحجج في نظر كثير من المتكلمين على الأقل، حتى استطاع الأشعرية أن يُنَمُّوا هذا الجانب من منهجه، و انتهى الأمر في القرون المتأخرة بأن أصبح الكلام عقليا تماما، على أن هذا كان بعيدا أشد البعد من مزاج الأشعري نفسه”. إلى أن قالوا: “إن المذهب قد اختفى في وهج من الفلسفة”([10]).
قلت: فليتأمل الباحث كيف تتابعت شهادات العلماء والباحثين المتخصصين على عدم اعتبار الأشعرية شيئا واحدا، وأن الفرق ثابت بين إمام المذهب وكثير من الأشاعرة الذين جاءوا بعده، كما أنه ثابت بين متقدمي الأشاعرة وبعض متأخريهم.
بين السلفيين والأشاعرة:
إن بعض طلبة العلم المنتسبين للسلفية؛ ينكرون على علماء سلفيين الثناء على الأشعرية؛ ظنا منهم أنهم يثنون على: المذهب الفلسفي الذي آل إليه أكثر الأشاعرة المتأخرين؛ والذي لا يقره الإمام الأشعري نفسه ولا يمثل مذهبه الذي يتبناه جمهور علماء بلدنا[11] ..
وهذا الخطأ قائم على خطأ آخر؛ وهو اعتبار أئمة الأشعرية شيئا واحدا يتعلق به الذم جملة وتفصيلا!
والواقع أنهم درجات في العلم والإمامة، كما أنهم متفاوتون في الخطأ ..
والذين يتشرف بعض العلماء السلفيين بالإشادة بهم والشهادة بإمامتهم وفضلهم؛ هم أهل لذلك وزيادة:
وهل يليق بطالب علم عاقل أن ينكر إمامة وعلم وفضل أمثال: الأشعري وابن الباقلاني والغزالي والجويني والبيهقي وأبي عمرو الداني والهروي وابن رشد والدارقطني وابن عطية والنووي والشاطبي والقرطبي المحدث والقرطبي المفسر وأبي الوليد الباجي وابن حجر وابن أبي جمرة الأندلسي مختصر الصحيح وجامعه وشارحه في كتابه النافع الماتع: “بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما لها وعليها”؟؟..
ومن اقتنع بآراءهم من العلماء المتأخرين المعاصرين؛ كابن عاشور والمختار السوسي والرحالي الفاروقي والمكي الناصري وولد فحفو ومحمد بخيت المطيعي وحسن البنا والقرضاوي ..
فكل واحد من هؤلاء وأولئك –على تفاوت بينهم[12]– وقع منه تأويل لبعض الصفات، والقول بشيء مما استقر عليه كثير من متأخري الأشاعرة، ومع ذلك فهم أئمة مرضيون؛ لا يجادل طالب علم معتدل في إمامتهم فضلا عن سنيتهم وسلفيتهم، وأخطاؤهم لا تبيح أبدا الطعن في علمهم أو تسننهم أو إمامتهم ..
بل أخطاؤهم مغمورة في بحر فضائلهم وعظيم مكارمهم وسلامة أصولهم؛ لله درهم وعلينا تبجيلهم وشكرهم ..
وهم في اجتهاداتهم بين الأجر والأجرين، والثاني أكثر وأظهر ..
إن الحقائق التاريخية الثابتة في كتب التاريخ والتراجم؛ تؤكد العلاقة الجيدة بين أهل الحديث والأشاعرة الأوائل ومن أخذ بمذهبهم:
وقد لخص هذه الحقيقة أبو القاسم ابن عساكر في قوله: “ما زالت الحنابلة والأشاعرة في قديم الدهر متفقين غير متفرقين حتى حدثت فتنة ابن القشيري”[13].
فما ذكرته في تبجيل علماء الأشاعرة؛ هو هدي أئمة علماء الحديث؛ وقد وثقت ذلك في كتابات سابقة؛
وأضيف هنا نموذجا مشرقا لأحد كبار مشايخ السلفية المعاصرين:
منهجية شيخنا وجاج في نقد أخطاء الأشاعرة:
العلامة لحسن وجاج من العلماء والباحثين الكبار المتخصصين في العقيدة الإسلامية، وهو من شيوخي السلفيين الذين نفعني الله بهم في أبواب من العلم والدعوة؛ أهمها منهجية الرد على المخالف للسنة ..
وقد قرأت عليه بحمد الله دراسته الضافية حول منبهة الإمام أبي عمرو الداني كاملة.
وقد اشتملت هذه الدراسة على تأكيد ما قررته في هده المقالة التحليلية:
ومن ذلك قوله في تعداد أسباب تأليفه للمنبهة:
وقال في بيان سبب تبجيل الداني لعلماء الأشاعرة:
“وأما رفقه بالأشاعرة فيعود إلى القرب الذي بين المذهب السلفي والأشعري من جهة وبسبب التعاون القائم بين أهل السنة والأشاعرة الأوائل في مجال الرد على المبتدعة من جهة أخرى، يضاف إلى هذا وذاك تأثر أهل السنة بالمنهج الأشعري إلى حد ما أيام الداني”.
وقال في إثبات الفرق بين المتقدمين والمتأخرين:
“لا أظن أن أحدا ينكر أن الأشاعرة المتأخرين من أهل الكلام، وأن أهل الكلام من أهل الأهواء وأنهم بسبب ذلك انحرفوا عن منهج أهل السنة بالمعنى الأخص وأن رفق الشيخ الداني بقدمائهم لم يغير من واقع متأخريهم شيئا، لأن كلامه مع متقدميهم.
وبين متقدميهم ومتأخريهم فرق كبير يعرفه من اطلع على تطور مذهبهم عبر العصور مرات”[14].
وفي تعليم الباحثين والطلبة الأدب والرفق في رد الأخطاء؛ يقول حفظه الله بعد تبيين بعض أخطاء الأشاعرة:
“ومع ذلك فليعلم أنه ليس مقصودنا هنا نقد الأشاعرة والتنكر لمواقفهم الحميدة في الدفاع عن الإسلام وتعاونهم مع أهل السنة ضد الزنادقة والملاحدة أيام الباقلاني وغيره”اهـ
أهدي هذا كله لبعض الفضلاء من المشايخ والطلبة والباحثين السلفيين الذين لم يستوعبوا ما أظهره مؤخرا بعض علماءهم من محبة وتقدير لإخوانهم الأشاعرة، بل زل فهمهم واعتبروا ذلك احتواء وتلبيسا!
والحق أن ما شاهدناه من احترام وحرص على التعاون بين علماءنا السلفيين كالمشايخ: لحسن وجاج ومحمد زحل وعبد الله بن المدني والقاضي برهون وعادل رفوش ..، وإخوانهم من علماءنا الأشاعرة كالأساتذة: محمد يسف ومصطفى بن حمزة ومحمد الروكي واليزيد الراضي .. جزاهم الله عنا خيرا أجمعين أكتعين أبتعين أبصعين.
هذا الاحترام والتعاون هو الأصل الذي ننادي بالرجوع إليه، ونعتقد أنه شرط لقوة الدعوة ونصرة الدين، وفي ضوءه يستقيم البحث العلمي النافع، وتثمر الدراسات النقدية التي تصحح الخطأ وتحذر من الزلة دون إسقاط ولا تطاول ولا تقليل للأدب.
([4]) رسالة إلى أهل الثغر (ص. 226).
([5]) وقد جمع في استدلاله في هذه الفقرة بين أدلة الشرع وعلم المنطق، لأن هذه الألفاظ (الجسم والعرض والجوهر) من مصطلحات علم المنطق، ولم تجر في كلام السلف؛ فإنهم يقتصرون على ما تقرر في النصوص من وجوب نفي التشبيه ونفي المماثلة، تأسيسا على قوله تعالى: “ليس كمثله شيء“، وقولُه تعالى: “لم يكن له كفوا أحد“، وقوله سبحانه: “هل تعلم له سميا“. وإنما استعمل أبو الحسن تلك الألفاظ من باب الرد على المخالفين -من المعتزلة وأمثالهم- بما يفهمونه.
([6]) القاعدة المراكشية (ص. 70).
([9]) من تعليقه على (المنتقى من منهاج الاعتدال) للحافظ الذهبي (ص. 43).
([10]) دائرة المعارف الإسلامية (3/434-439).
[11] ومن أخطاء أحد الفضلاء؛ أنه أنكر على الأستاذ مصطفى بن حمزة ثناءه على ابن رشد واعتباره من أهل السنة:
وقد أخطأ مرتين:
الأولى: حين غلب احتمال كونه الحفيد؛ مع أن الأصل حمل كلام العالم على أفضل الاحتمالين
الثانية: عدم استحضاره بأن ابن رشد الجد نفسه من كبار علماء الأشعرية
ومن سوء فهم الفاضل المذكور؛ أنه توهم التناقض بين كون الإمام “أبي الحسن الأشعري أسس مذهبا عقديا سني الموضوع والمضمون والمنزع،”، وبين ما ذكره الإمام من رجوعه إلى قول الإمام أحمد!!
مع أن الحقيقة واضحة في كونه أسس مذهبا وقعت له فيه أخطاء، تدارك بعضها ورجع عنها إلى الصواب الذي نبهته عليه مواقف الإمام أحمد ..
إلى أخطاء أرجو أن تتاح فرصة اللقاء به لتوضيحها.
[12] الغزالي ـمثلاـ أكثر توسعا في التأويل من ابن الباقلاني، وهذا الأخير أكثر توسعا من الداني، لكن أصولهم في الجملة واحدة، وهم من علماء السنة الأفاضل.
[13] مجموع الفتاوى لابن تيمية (4/17).
[14] ابن قيم الجوزية: شفاء العليل (ص: 122).
وسوم :البحث العلمي
ننوه الى أن ما ننشره من مواد للسادة والسيدات العلماء والمفكرين والمثقفين والسياسيين، لا يلزم منه الاتفاق معهم في كل أفكارهم وآرائهم
Nous précisons que le contenu publié d'un tiers auteurs n'implique pas que nous sommes forcément d'accord avec l'ensemble de ses idées.
Designed by Khalil BI