تاريخ النشر : 25/07/2015
عدد المشاهدات : 1856
مذكرات الإصلاح الدعوي (7)
الدعاة وكراهية النقد
هذه الآفة تنمي الإعجاب بالذات والإيمان العميق بسلامتها ونزاهتها، ومن ثم شدة التعصب لها.
ثم هي من جهة أخرى تجعل أصحابها -من أفراد أو جماعات- ينظرون إلى كل نقد يوجه إليهم على أنه معاداة لهم وحرب عليهم وانتهاك لحماهم؛ فيبادرون إلى معاداة أصحابه ومواجهتهم بما يتطلبه المقام في نظرهم، وتتحرك عقلية “رد الصاع صاعين”..
وهكذا تشتعل المعركة، وتتعمق الخلافات، وكل هذا لمجرد أن الناس عودوا أنفسهم على سماع المدح والثناء والتأييد والإطراء، دون أي نقد أو اعتراض أو نصح، فنشأت لديهم حساسية مفرطة ضد النقد والتخطئة والمعارضة.
وهذه ـفي الحقيقةـ صفة المغرورين والمتكبرين، الذين جاء فيهم قوله تعالى: {ولكن لا تحبون الناصحين}.
وجاء في بعضهم: {وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم}.
يقول العلامة المودودي رحمه الله: “وأما كراهية النقد وإظهار الغضب والسخط عليه، فإنما هو دليل على استكبار الإنسان واغتراره بنفسه”[1].
أما المسلمون -فضلا عن الدعاة إلى الإسلام- فالمفروض فيهم، واللائق بهم أن يتلقوا المدح والثناء بتحفظ وحذر؛ فالناقد الناصح إن لم ينفع لم يضر، وغالبا ما ينفع، والمادح الممجد إن لم يضر لم ينفع، وغالبا ما يضر.
والحقيقة أننا يجب أن نرحب بالناقد الناصح حتى حين نكون معتقدين غلطه فيما ينتقده وفيما ينصح به، لأننا حينئذ نكون مقدرين ومرحبين بالنقد من حيث المبدأ، ونكون شاكرين للنصح من حيث هو نصح، وبغض النظر عن الإصابة والخطأ في هذه المسألة أو تلك.
أما من ظهرت لنا وجاهة نقده وصحة مأخذه؛ فيجب أن يكون سرورنا به وشكرنا لعمله مضاعفا.
ويجب أن نُعوّد أنفسنا على أن نتلقى الانتقادات، باحثين عن وجه صوابها وفائدتها، قبل أن نبحث عن وجه خطئها لرده والرد عليه.
وعلينا أن نُعوّد أنفسنا الاعتراف والإعلان عن خطئنا إذا تبين، بنفس الشجاعة والصراحة اللتين نقرر بهما ونعلن آراءنا واعتقاداتنا؛ وبهذا نريح أنفسنا من عقدة التنزه عن الخطأ، ونريح غيرنا من عقدة الخوف من الاتهام والعداوة، بسبب نقدهم ونصحهم لنا، ونسد بابا من أبواب الخصومة والشنآن.
ومن المواقف الرائعة النموذجية في هذا الباب؛ ما حكاه القاضي أبو بكر بن العربي عن محمد بن قاسم العثماني أنه حضر مجلس الشيخ أبي الفضل الجوهري، فكان مما قال في درسه:
“إن النبي صلى الله عليه وسلم طلق، وظاهر، وآلى”.
قال العثماني :”فلما خرج تبعته .. فقلت له: حضرت مجلسك اليوم متبركا بك، وسمعتك تقول: آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وصدقت، وطلق رسول الله وصدقت، وقلت: وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا لم يكن، ولا يصح أن يكون، لأن الظهار منكر من القول وزور، وذلك لا يجوز أن يقع مع النبي صلى الله عليه وسلم، فمضني إلى نفسه وقبل رأسي: وقال لي: أنا تائب من ذلك، جزاك الله عني من معلم خيرا”.
وفي اليوم التالي نادى عليه من بين الناس ودعاه إلى المنبر حتى رآه الناس، وقال لهم:
“أنا معلمكم، وهذا معلمي؛ لما كان بالأمس قلت لكم: آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطلق، وجاء هذا إلى منزلي وقال لي كذا وكذا…، وحكى لهم…
ثم قال: “وأنا تائب عن قولي بالأمس وراجع عنه إلى الحق؛ فمن سمعه ممن حضر فلا يعول عليه، ومن غاب فليبلغه من حضر، فجزاه الله خيرا”.
وأخذ يدعو له، والخلق يؤمنون.
ويعلق ابن العربي بقوله: “فانظروا رحمكم الله إلى هذا الدين المتين، والاعتراف بالعلم لأهله على رؤوس الملأ، من رجل ظهرت رياسته واشتهرت نفاسته، لغريب مجهول العين، لا يعرف من ولا من أين؟ فاقتدوا به ترشدوا”[2]
الدكتور أحمد الريسوني / التعدد التنظيمي (ص41 – 44).
[1] تذكرة دعاة الإسلام: (ص 71).
[2] أحكام القرآن: 1/182ـ183.
وسوم :الدعوة إلى الله
ننوه الى أن ما ننشره من مواد للسادة والسيدات العلماء والمفكرين والمثقفين والسياسيين، لا يلزم منه الاتفاق معهم في كل أفكارهم وآرائهم
Nous précisons que le contenu publié d'un tiers auteurs n'implique pas que nous sommes forcément d'accord avec l'ensemble de ses idées.
Designed by Khalil BI