أنشطة وأخبار

الوفا بحقوق المصطفى

تاريخ النشر : 2/02/2015

عدد المشاهدات : 1937


الوفا بحقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم

(مهذب من الصارم المسلول لشيخ الإسلام ابن تيمية)

إعداد: حماد القباج

 

إن الله سبحانه وتعالى أوجب لنبينا صلى الله عليه وسلم على القلب واللسان والجوارح؛ حقوقا زائدة على مجرد التصديق بنبوته، كما أوجب سبحانه على خلقه من العبادات على القلب واللسان والجوارح أمورا زائدة على مجرد التصديق به سبحانه.

وحرم سبحانه لحرمة رسوله مما يباح أن يفعل مع غيره؛ أمورا زائدة على مجرد التكذيب بنبوته:

الصلاة والتسليم على الرسول الكريم:

فمن ذلك: أنه أمر بالصلاة عليه والتسليم بعد أن أخبر أن الله وملائكته يصلون عليه؛ والصلاة تتضمن ثناء الله عليه ودعاء الخير له وقربته منه ورحمته له، والسلام عليه يتضمن سلامته من كل آفة؛ فقد جمعت الصلاة عليه والتسليم جميع الخيرات.

ثم إنه يصلي سبحانه عشرا على من يصلي عليه مرة واحدة؛ حضا للناس على الصلاة عليه، ليسعدوا بذلك وليرحمهم الله بها.

الإيثار والتضحية:

ومن ذلك: أنه أخبر أنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم؛ فمن حقه أنه يجب أن يؤثره العطشان بالماء والجائع بالطعام، وأنه يجب أن يوقى بالأنفس والأموال؛ كما قال سبحانه وتعالى: {مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ}.

فعلم أن رغبة الإنسان بنفسه أن يصيبه ما يصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المشقة معه حرام.

وقال تعالى مخاطبا للمؤمنين فيما أصابهم من مشقات الحصر والجهاد: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}.

المصطفى أحب إلى المؤمن من نفسه:

ومن حقه: أن يكون أحب إلى المؤمن من نفسه وولده وجميع الخلق؛ كما دل على ذلك قوله سبحانه: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24]

مع الأحاديث الصحيحة المشهورة؛ كما في الصحيح من قول عمر رضي الله عنه: “يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي”.

فقال: “لا يا عمر؛ حتى أكون أحب إليك من نفسك“.

قال: “فأنت والله يا رسول الله أحب إلي من نفسي”.

قال: “الآن يا عمر“.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين“. متفق عليه.

التعزير والتوقير:

ومن ذلك: أن الله أمر بتعزيره وتوقيره؛ فقال: {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ}.

والتعزير: اسم جامع لنصره وتأييده، ومنعه من كل ما يؤذيه.

والتوقير: اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال والإكرام، وأن يعامل من التشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار.

الأدب في الخطاب:

ومن ذلك: أنه خصه في المخاطبة بما يليق به فقال: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً}.

فنهى أن يقولوا: يا محمد أو يا أحمد أو يا أبا القاسم؛ ولكن يقولوا: يا رسول الله، يا نبي الله.

وكيف لا يخاطبونه بذلك، والله سبحانه وتعالى أكرمه في مخاطبته إياه بما لم يكرم به أحدا من الأنبياء؛ فلم يدعه باسمه في القرآن قط؛ بل يقول:

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا}

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ}

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ}

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ}

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً}

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ}

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}

{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}

{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ}

{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ}

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ}.

مع أنه سبحانه قد قال: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ} الآية

{يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ}

{يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ}

{يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا}

{يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاس}

{يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ}

{يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}

{يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ} {يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِك}.

حرمة التقدم بين يديه:

ومن ذلك: أنه حرم التقدم بين يديه بالكلام حتى يأذن، وحرم رفع الصوت فوق صوته وأن يجهر له بالكلام كما يجهر الرجل للرجل.

وأخبر أن ذلك سبب حبوط العمل؛ فهذا يدل على أنه قد يقتضي الكفر لأن العمل لا يحبط إلا به.

وأخبر أن الذين يغضون أصواتهم عنده هم الذين امتحنت قلوبهم للتقوى، وأن الله يغفر لهم ويرحمهم.

وأخبر أن الذين ينادونه وهو في منزله لا يعقلون؛ لكونهم رفعوا أصواتهم عليه، ولكونهم لم يصبروا حتى يخرج، ولكن أزعجوه إلى الخروج.

وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ:

ومن ذلك: أنه حرم على الأمة أن يؤذوه بما هو مباح أن يعامل به بعضهم بعضا؛ تمييزا له، مثل نكاح أزواجه من بعده؛ فقال تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً}.

وأوجب على الأمة لأجله؛ احترام أزواجه، وجعلهن أمهات في التحريم والاحترام؛ فقال سبحانه وتعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}.

وأما ما أوجبه من طاعته والانقياد لأمره والتأسي بفعله فهذا باب واسع.

لكن ذاك قد يقال: هو من لوازم الرسالة؛ وإنما الغرض هنا أن ننبه على بعض ما أوجبه الله من الحقوق الواجبة والمحرمة على الأمة مما يزيد على لوازم الرسالة؛ بحيث يجوز أن يبعث الله رسولا ولا يوجب له هذه الحقوق.

ومن كرامته المتعلقة بالقول: أنه فرق بين أذاه وأذى المؤمنين فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً}

وقد تقدم في هذه الآية ما يدل على أن حد من سبه القتل كما أن حد من سب غيره الجلد.

ورفعنا لك ذكرك:

ومن ذلك: أن الله رفع له ذكره؛ فلا يذكر الله سبحانه إلا ذكر معه، ولا تصح للأمة خطبة ولا تشهد حتى يشهدوا أنه عبده ورسوله، وأوجب ذكره في كل خطبة، وفي الشهادتين اللتين هما أساس الإسلام، وفي الأذان الذي هو شعار الإسلام، وفي الصلاة التي هي عماد الدين؛ إلى غير ذلك من المواضع.

هذا إلى خصائص له أخر يطول تعدادها[1].

[1] الصارم المسلول على شاتم الرسول (ص: 420-424).

 

وسوم :

مواد ذات صلة

سفه التطاول على المقام المنيف

تاريخ النشر : 18/01/2021

عدد المشاهدات : 1374

العلاقة بين عيسى ومحمد عليهما السلام

تاريخ النشر : 27/12/2016

عدد المشاهدات : 3594

جاري البودشيشي 1

تاريخ النشر : 26/12/2015

عدد المشاهدات : 3798

لماذا لا يأخذ المغرب برؤية الدول الإسلامية الأخرى؟

تاريخ النشر : 9/06/2015

عدد المشاهدات : 1487

إجابة السائل عن حكم صيام المرضع والحامل

تاريخ النشر : 9/06/2015

عدد المشاهدات : 1815

دلالات الندوة الرسمية حول السلفية المغربية

تاريخ النشر : 15/04/2015

عدد المشاهدات : 1804

'