أنشطة وأخبار

نقد الزعيم علال الفاسي لممارسات الطرق الصوفية

تاريخ النشر : 6/01/2016

عدد المشاهدات : 2873


 

نقد الزعيم علال الفاسي لممارسات الطرق الصوفية

من خلال قصيدته: في ذكرى المولد النبوي

الإسلام الذي كان عليه المغرب إبان دخول الاستعمار، كان إسلاما ضعيفا ومتخلفا وظلاميا.

ولو لم يكن كذلك، لما تمكنت أطماع الاستعمار من أن تتحقق أو تنفذ على يد سياسييه وقواته العسكرية.

لقد كان الإسلام في المغرب إبان هذه الفترة إسلاما طرقيا في مجمله، أي إسلاما يسود فيه زيارة الأضرحة والمقابر، والاحتفاء بطرق شعبية وخرافية خلال بعض التجمعات والمواسم الدينية ببعض رموز المتصوفة التي ارتبطت في أذهان الناس بالسحر والشعوذة والخرافة، والتي كانت ـ أعني الرموز ـ في أغلب الأحوال بريئة من الترهات والسلوكات البعيدة عن الإسلام، كالشطح والجذبة والردح، والأذكار أو الأدعية الغريبة والمصطنعة، ثم أنواع الموسيقى الصاخبة وضرب الرؤوس وشدخها، ثم التقرب إلى الأضرحة بالذبائح.

كل ذلك كان بالنسبة لعلال الفاسي، المفكر السلفي المتفتح؛ ضربا من الخيال الموبوء والسلوك المتخلف، المرتبطين بالابتعاد عن الديانة الصحيحة والسنة الحميدة.

إن علال الفاسي كان يرى في الطرقية شعوذة صريحة تحول دون التقدم العلمي للأمة الإسلامية، وتساعد المستعمر على استتباب ركائزه والظفر بنتائج سياسته التي ترمي إلى أن يظل المغرب كما هو، ظلاميا ومتخلفا وبعيدا عن كل حضارة جديدة.

والسبيل القويم إلى معالجة هذا الوضع المتردي، -أي وضع التخلف والاستعمار في آن واحد-؛ هو مواجهة التخلف الفكري، والقوى الاستعمارية في آن واحد أيضا.

لقد كانت قوة الاستعمار وغلبته تتجليان أصلا في تقدمه العلمي والحضاري.

ولذلك فإنه لا سبيل إلى مواجهته واللحاق بحضارته الجديدة إلا بالإصلاح الفكري الذي لابد من أن يكون الإصلاح الديني الركن الأساسي فيه أو السبيل الواضح إليه. ولذلك فإنه لا مجال إلى الإصلاح باعتباره أطروحة كلية لدى علال الفاسي أو رؤية شمولية، إلا بإصلاح صورة الإسلام المتخلفة، كما ارتسمت في أذهان الناس وبين صفوفهم، في حين أن الإسلام الحق بعيد كل البعد عنها وبريء كل البراءة منها، وذلك على أساس أنها صورة خرافية وغيبية ترتبط بالشعوذة والتخلف الفكري، لا بالإسلام الحق، حسب نصوصه التشريعية ومذاهبه الفلسفية أو الدينية الراقية.

لقد كان علال الفاسي في إبداعه الشعري وإنتاجه الفكري يستغل كل مناسبة دينية في نضاله ضد الخرافة والشعوذة، فيظهر في كل مناسبة قصيدة أو نصا يستحضر من خلالها شخصية الرسول الكريم، ويستوحي منها صورة الإسلام الصحيحة، كما تمثل عند الصحابة الأوائل، ليستخلص من ذلك ما جاء به الإسلام أولا، ويستخلص بعد ذلك الصورة المتخلفة والرديئة التي صار إليها، ثم يدعو إلى الإصلاح الديني بعد ذلك.

يقول في مناسبة ذكرى المولد النبوي، وهي التي تكثر فيها عند المغاربة زيارة الأضرحة وإقامة مواسم السحر والشعوذة:

فجاء محمد يدعو إلى ما
 
يرقيهم بمعترك الحياة
  
إلى ما تستنير به حجاهم
 
ويصعدهم لأعلى المكرمات
  
إلى الإسلام للدين المعلى
 
إلى العلم الصحيح إلى الحياة
  
إلى الشورى، إلى الحكم المفدى
 
إلى ما تشتهي نفس الأساة
  
وقال: تعلموا أن المزايا
 
بتأدية الفروض الواجبات
  
وأن معالي الأشياء خير
 
وأن العز يدرك بالممات
  
وأن الفخر في علم ودين
 
وأن المجد في لم الفتات
  
إذا شاء الإله صلاح قوم
 
أتاح لهم عقولا صالحات
  
وكم من معجزات قد تبدت
 
وجاءت كالرياح المرسلات
  
كتاب الله أعظمها ففيه
 
ضياء للعقول الحالكات
  
ولما أبصروه وقد تسامت
 
فصاحتهم، أصيبوا بالسكات
  
إذا ما الإثم ران على قلوب
 
فليس يلينها مس العظات
  
ألا لا دين إلا دين هدي
 
وإخلاص لرب الكائنات
  
وتفكير وعلم واقتفاء
 
لنهج المصلحين ذوي الحصاة
  
وإن الدين عند الله دين
 
تباعد عن جميع المرجفات
  
وكان مبرأ من كل عيب
 
ومن تلك الرزايا المهلكات
  
وكان مناسبا في كل وقت
 
لكل ذوي العقول الطيبات
  
إليك أيا رسول الله أشكو
 
مصائب قد أتت بالمعضلات
  
أناسا سودوا الإسلام حتى
 
رآه الغير دين الراقصات
  
فمنهم راقصون لدى الزوايا
 
ومنهم راقصون لدى الفلاة
  
يظنون المكارم والمزايا
 
لدى تلك الفعال المنكرات
  
ومنهم من يبيع الدين بتلا
 
ليدرك رتبة بين العتاة
  
وكلهم تناهى في ضلال
 
ولم يعر العلا أدنى التفات
  
معارفنا تبين، ولا رحيم
 
يبادر نحوها قبل الفوات
  
تفاقم خطبنا حتى غدونا
 
نسام بكل مذموم السمات
  
وأصبحنا نداس بكل رجل
 
وحالتنا تجر إلى انفتات
  
حماة الدين هبوا أرشدونا
 
كفى يا قوم من طول السبات
  
كفى يا قوم من ذل وجهل
 
فذلكم يؤدي للموات
  
وقوموا فالزمان زمان علم
 
ودرس للفنون وللغات

[ديوان علال الفاسي؛ ج 1 / ص 153-154]

إن هذه القصيدة ذات توجهين اثنين؛ هما:

أ ـ صورة الجاهلية التي كان عليها الناس قبل مجيء الإسلام:

وتتمثل في عبادة الأوثان والشرك بالله، ثم التطاحن والحرب والنهب.

وهو ما لا يمكن معه إقامة دولة عادلة وراقية وموحدة.

ولذلك فإن الله بعث النبي صلى الله عليه وسلم ليصلح أمر الأمة ويعمل على تقدمها ورقيها.

ومعنى هذا بالنسبة إلينا أن علال الفاسي يرى في مجيء النبي وبعثه في الناس إصلاحا دينيا وفكريا يرقى بعقول الأمة وحياتها:

فجاء محمد يدعو إلى ما يرقيهم بمعترك الحياة
إلى ما تستنير به حجاهم ويصعدهم لأعلى المكرمات

وهما بيتان نلاحظ فيهما بعض الألفاظ التي تنتمي إلى حقل معجمي يدل على الإصلاح، بنوع من الوضوح الذي نقف من خلاله على أن الإسلام نفسه، دين ذو بعد إصلاحي يرقى بالأمة نحو التقدم والحضارة.

ونقصد بذلك الألفاظ التالية:

يرقيهم ـ معترك الحياة ـ حجاهم (عقولهم) ـ يصعدهم ـ أعلى المكرمات.

أي أن القصيدة، وهي قصيدة دينية تستند في مجملها إلى معجم يصب في حقول دلالية تجمعها أطروحة الإصلاح عند علال الفاسي: أيام البعثة، والإسلام أيام النهضة.

الأول إسلام للتأسيس، والثاني إسلام للإصلاح.

ذلك أن الدولة في عهد الاستعمار كانت دولة موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فسعى هو وصحابته الأجلاء إلى تأسيسها وإقامة دعائمها، ولذلك فإن دعوته لم تكن دعوة إصلاحية بقدر ما كانت دعوة دينية.

وفرق واضح هنا بين الرؤية الدينية، أي الصراع ضد الوثنية واليهودية والنصرانية، وبين أن نستوحي الإصلاح السياسي في إطار من الديمقراطية والدستور والاقتصاد العادل من الإسلام.

ب ـ ثم نستخلص من هذه القصيدة أن الإسلام الذي كان إسلاما راقيا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ اكتسى في عهود التخلف بعد العصر الوسيط صورة رديئة لا علاقة لها بالإسلام الصحيح، وهو أمر مستوحى لاشك من الوضع الذي كان عليه الحقل الديني في المغرب أيام دخول الاستعمار إلى أرضه والسيطرة على شعبه. ذلك أن هذا الشعب لو لم يكن مستضعفا لما استطاع المستعمر أن يتمكن منه، وهذا الضعف نابع أصلا عند علال الفاسي من التخلف الفكري الذي كان عليه المغاربة.

إن ربط الإسلام في ماضيه البعيد أو أوليته بالإصلاح الفكري السياسي، أمر مستوحى في رأينا من الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي المتخلف الذي كانت عليه الأمة الإسلامية حين صدمتها أوربا الاستعمارية، بما صارت عليه من حضارة جديدة، وقوة صناعية وتقدم فكري.

والحقيقة أن الديانة الإسلامية في نشأتها الأولى أيام البعثة المحمدية كانت ديانة تسعى إلى الصراع ضد الوثنية وإلى تأسيس الدولة الواحدة في إطار ديني يسعى إلى عبادة الله.

وهنا تكمن المفارقة بين الإسلام في صورته الأولية التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، ثم نضجت وتطورت في ظل حضارة العصر الوسيط، وبين ما آل إليه هذا الإسلام نفسه في عهود التخلف الفكري والانحطاط الحضاري، فأصبح إسلاما يكتسي الصورة الخرافية المرتبطة بالغيبيات، وبتقديس الأضرحة، وطلب الغفران من القبور والحجارة.

أي أنها صورة يغيب فيها العقل وتحضر الخرافة في رداءتها وتخلفها المقيتين؛ إنها الطرقية الذميمة عند علال الفاسي.

ولعل في الألفاظ التالية ما قد يبرز هذه الصورة المتخلفة التي قد تنسب إلى الإسلام، وهي بعيدة عنه كل البعد:

سودوا الإسلام ـ دين الراقصات ـ الدنايا ـ الرفات ـ راقصون ـ فعال منكرات ـ ضلال.

إنها ألفاظ تحيل في مجملها على حقل دلالي واحد هو التخلف الفكري والسلوكي الذي صار عليه المسلمون داخل مجتمع ضعيف ومتخلف.

أما الإسلام فهو بعيد كل البعد عن هذا السلوك وهذه الممارسات.

ولذلك فإن العودة إلى الإسلام الصحيح كما يتمثل ذلك في القرآن وفي السنة وعند المفكرين والعلماء، هي عودة بقصد الإصلاح؛ أي أن الرؤية الإصلاحية عند علال الفاسي رؤية إسلامية (تقدمية وحضارية) تصارع سلوكا متخلفا وظلاميا لا علاقة له بالإسلام الصحيح.

 

توقيع: الدكتورة فتيحة بلعباس

في كتابها: “الشعر الوطني عند علال الفاسي” (ص: 64ـ69)

images

وسوم :

مواد ذات صلة

رسالة مفتوحة إلى الأستاذة أمينة بوعياش

تاريخ النشر : 29/06/2022

عدد المشاهدات : 853

بخور الفقه ونتانة العولمة

تاريخ النشر : 29/06/2022

عدد المشاهدات : 779

لماذا نحب الملك محمدا السادس؟

تاريخ النشر : 29/06/2022

عدد المشاهدات : 755

كلمة حول مقتل السيدة شيرين أبو عاقلة

تاريخ النشر : 29/06/2022

عدد المشاهدات : 661

فيلم الإخوان والمتاجرة بآلام المغاربة

تاريخ النشر : 29/06/2022

عدد المشاهدات : 624

'