أنشطة وأخبار

فقه نقد الطوائف عند ابن تيمية: الأشاعرة نموذجا

تاريخ النشر : 18/08/2015

عدد المشاهدات : 2910


فقه نقد الطوائف عند ابن تيمية

الأشاعرة نموذجا

 

بقلم: حماد القباج

في تعامله مع التيارات والطوائف والمدارس الإسلامية؛ ينطلق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من قاعدة أكد عليها في كتاباته؛ وهي أن البغي هو أحد أهم أسباب الفرقة والتنازع بين المسلمين؛ وذلك حين تتجاوز طائفة الحق في نقد خطأ طائفة أخرى، ولا تعترف  لها بما عندها من حق “وأكثر الاختلاف الذي يؤول إلى الأهواء بين الأمة من هذا القبيل؛ فيؤول إلى سفك الدماء، واستباحة الأموال، والعداوة والبغضاء؛ لأن  إحدى الطائفتين لا تعترف للأخرى بما معها من الحق ولا تنصفها؛ بل تزيد على ما مع نفسها من الحق زيادات من الباطل والأخرى كذلك”. اقتضاء الصراط المستقيم  (1/ 156).

ولذلك نراه يتحلى بالإنصاف وهو ينتقد ما يراه خطأ عند مختلف الطوائف من حنابلة وأشاعرة وصوفية ..، مشددا على ضرورة التمسك بسلوك الأخوة بين المسلمين والتناصح فيما بينهم فيما اختلفوا فيه؛ وقد ينتقد الحنابلة ويثني على الأشاعرة بعيدا عن سلوك البغي الذي يجعل الإنسان يسكت عن خطأ صاحبه ويبالغ في نقد خطأ المخالف له في الانتماء ..

وفيما يلي ملامح من إنصافه للأشاعرة:

“أما أصحاب الأشعري فهم ثلاثة أصناف:

صنف يُحرم تأويل الصفات السمعية المذكورة في القرآن؛ كالوجه واليد والعين، ويُبطِل ذلك.

وهذا هو الذي ذكره الأشعري في “الإبانة”، حكاه عن أهل السنة جميعهم.

وهو الذي ذكره أبو بكر ابن الباقلاني أفضلُ أصحابه، وأبو علي ابن شاذان، وذكره أبو بكر ابن فورك في اليد وغيرها، وعليه الأشعرية المتمسكون بالقول الثاني.

وصنف يُحرِّم التأويل، ولا يتكلم في صحته ولا فسادِه؛ وهذا الذي ذكره أبو المعالي الجويني في رسالته “النظامية”، وهو قولُ أكثرِ المفوِّضة من المتكلمين.

وصنف يُبيحه للعلماء عند الحاجة، ومنهم من يُبيحه مطلقًا.

وهذا قولُ الجَويني في “إرشادِه” وغيره، وجميعُ هؤلاء مختلفون في صحة بعض التأويلات وفسادها.

وهذا كما أن العراقيين المنتسبين إلى أهل الإثبات من أتباع ابن كلاب كأبي العباس القلانسي، وأبي الحسن الأشعري، وأبي الحسن علي بن مهدي الطبري، والقاضي أبي بكر ابن الباقلاني، وأمثالهم، أقرب إلى السنة وأتبع لأحمد بن حنبل وأمثاله من أهل خراسان المائلين إلى طريقة ابن كلاب، ولهذا كان القاضي أبو بكر بن الطيب يكتب في أجوبته أحياناً: محمد بن الطيب الحنبلي، كما كان يقول الأشعري، إذ كان الأشعري وأصحابه منتسبين إلي أحمد بن حنبل وأمثاله من أئمة السنة، وكان الأشعري أقرب إلى مذهب أحمد بن حنبل وأهل السنة من كثير من المتأخرين المنتسبين إلى أحمد الذين مالوا إلى بعض كلام المعتزلة، كابن عقيل، وصدقة بن الحسين، وابن الجوزي، وأمثالهم”. [جامع المسائل لابن تيمية (5/ 79)].

وقال شيخ الإسلام بعد نقل رد السجزي والإسفراييني على ابن الباقلاني وشدتهم في ذلك:

“وهذا الذي نقلوه من إنكار أبي حامد وغيره على القاضي أبي بكر الباقلاني هو بسبب هذا الأصل، وجرى له بسبب ذلك أمور أخرى، وقام عليه الشيخ أبو حامد والشيخ أبو عبد الله بن حامد وغيرهما من العلماء من أهل العراق وخراسان والشام، وأهل الحجاز ومصر.

مع ما كان فيه من الفضائل العظيمة والمحاسن الكثيرة والرد على الزنادقة والملحدين وأهل البدع، حتى إنه لم يكن في المنتسبين إلى ابن كلاب والأشعري أجل منه ولا أحسن كتباً وتصنيفاً، وبسببه انتشر هذا القول.

وكان منتسباً إلى الإمام أحمد وأهل السنة وأهل الحديث والسلف، مع انتسابه إلى مالك والشافعي وغيرهما من الأئمة حتى كان يكتب في بعض أجوبته: محمد بن الطيب الحنبلي.

وكان بينه وبين أبي الحسن التميمي وأهل بيته وغيرهم من التميميين من الموالاة والمصافاة ما هو معروف، كما تقدم ذكر ذلك، ولهذا غلب على التميميين موافقته في أصوله.

ولما صنف أبو بكر البيهقي كتابه في مناقب الإمام أحمد -وأبو بكر البيهقي موافق لابن الباقلاني في أصوله-؛ ذكر أبو بكر اعتقاد أحمد الذي صفنه أبو الفضل عبد الواحد بن أبي الحسن التميمي، وهو مشابه لأصول القاضي أبي بكر، وقد حكى عنه: أنه كان إذا درس مسألة الكلام على أصول ابن كلاب والأشعري يقول: (هذا الذي ذكره أبو الحسن أشرحه لكم وأنا لم تتبين لي هذه المسألة) فكان يحكى عنه الوقف فيها، إذ له في عدة من المسائل قولان وأكثر كما تنطق بذلك كتبه.

ومع هذا تكلم فيه أهل العلم، وفي طريقته التي أصلها هذه المسألة مما يطول وصفه، كما تكلم من قبل هؤلاء في ابن كلاب ومن وافقه، حتى ذكر أبو إسماعيل الأنصاري قال: سمعت أحمد بن أبي رافع وخلقاً يذكرون شدة أبي حامد الإسفرايني على ابن الباقلاني.

قال: “وأنا بلغت رسالة أبي سعد إلى ابنه سالم ببغداد: إن كنت تريد أن ترجع إلى هراة فلا تقرب الباقلاني، قال: وسمعت الحسين بن أبي أمامة المالكي يقول: سمعت أبي يقول: لعن الله! أبا ذر الهروي، فإنه أول من حمل الكلام إلا الحرم، وأول من بثه في المغاربة.

قلت (شيخ الإسلام): أبو ذر فيه من العلم والدين والمعرفة بالحديث والسنة وانتصابه لرواية البخاري عن شيوخه الثلاثة وغير ذلك من المحاسن والفضائل ما هو معروف به.

وكان قد قدم إلى بغداد من هراة، فأخذ طريقة ابن الباقلاني وحملها إلى الحرم، فتكلم فيه وفي طريقته من تكلم، كأبي نصر السجزي، وأبي القاسم سعد بن علي الزنجاني وأمثالهما من أكابر أهل العلم والدين لما ليس هذا موضعه، وهو ممن يرجح طريقة الصبغي والثقفي على طريقة ابن خزيمة وأمثاله من أهل الحديث، وأهل المغرب كانوا يحجون، فيجتمعون به ويأخذون عنه الحديث وهذه الطريقة ويدلهم على أصلها، فيرحل منهم من يرحل إلى المشرق، كما رحل أبو الوليد الباجي فأخذ طريقة أبو جعفر السمناني الحنفي صاحب القاضي أبي بكر، ورحل بعده القاضي أبو بكر بن العربي فأخذ طريقة أبي المعالي في الإرشاد.

ثم إنه ما من هؤلاء إلا من له في الإسلام مساع مشكورة، وحسنات مبرورة، وله في الرد على كثير من أهل الإلحاد والبدع، والانتصار لكثير من أهل السنة والدين ما لا يخفى على من عرف أحوالهم، وتكلم فيهم بعلم وصدق وعدل وإنصاف.

لكن لما التبس عليهم هذا الأصل المأخوذ ابتداء عن المعتزلة، وهم فضلاء عقلاء؛ احتاجوا إلى طرده والتزام لوازمه، فلزمهم بسبب ذلك من الأقوال ما أنكره المسلمون من أهل العلم والدين.

وصار الناس بسبب ذلك: منهم من يعظمهم، لما لهم من المحاسن والفضائل، ومنهم من يذمهم، لما وقع في كلامهم من البدع والباطل.

وخيار الأمور أوساطها”.

قال شيخ الإسلام:

“وهذا ليس مخصوصاً بهؤلاء، بل مثل هذا وقع لطوائف من أهل العلم والدين، والله تعالى يتقبل من جميع عباده المؤمنين الحسنات، ويتجاوز لهم عن السيئات، {ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم}

ولا ريب أن من اجتهد في طلب الحق والدين من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخطأ في بعض ذلك فالله يغفر له خطأه، تحقيقاً للدعاء الذي استجابه الله لنبيه وللمؤمنين حيث قالوا: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا}.

ومن اتبع ظنه وهواه فأخذ يشنع على من خالفه بما وقع فيه من خطأ ظنه صواباً بعد اجتهاده، وهو من البدع المخالفة للسنة، فإنه يلزمه نظير ذلك أو أعظم أو أصغر فيمن يعظمه هو من أصحابه، فقل من يسلم من مثل ذلك في المتأخرين، لكثرة الاشتباه والاضطراب، وبعد الناس عن نور النبوة وشمس الرسالة الذي به يحصل الهدى والصواب، ويزول به عن القلوب الشك والارتياب”. اهـ بحروفه من كتاب: درء تعارض العقل والنقل (2/ 99 – 104).

قال رحمه الله تعالى:

والناس يعلمون أنه كان بين الحنبلية والأشعرية وحشة ومنافرة، وأنا كنت من أعظم الناس تأليفاً لقلوب المسلمين، وطلبا لاتفاق كلمتهم، واتباعاً لما أمرنا به من الاعتصام بحبل الله، وأزلت عامة ما كان فى النفوس من الوحشة.

وبيَّنت لهم أن الأشعرى كان من أجلِّ المتكلمين المنتسبين إلى الإمام أحمد رحمه الله ونحوه المنتصرين لطريقه؛ كما يذكر الأشعرى ذلك فى كتبه.

وكما قال أبو اسحاق الشيرازي: “إنما نفقت الأشعرية عند الناس بانتسابهم الى الحنابلة”.

وكان أئمة الحنابلة المتقدمين؛ كأبى بكر عبد العزيز وأبى الحسن التميمى ونحوهما يذكرون كلامه فى كتبهم؛ بل كان عند متقدميهم؛ كابن عقيل عند المتأخرين لكن ابن عقيل له اختصاص بمعرفة الفقة وأصوله.

وأما الأشعرى فهو أقرب الى أصول أحمد من ابن عقيل وأتبع لها؛ فإنه كلما كان عهد الانسان بالسلف أقرب كان أعلم بالمعقول والمنقول.

وكنت أقرِّر هذا للحنبلية، وأبيِّن أن الأشعرى وإن كان من تلامذة المعتزلة ثم تاب -فإنه تلميذ الجبائي- ومال الى طريقة ابن كلاب، وأخذ عن زكريا الساجى أصول الحديث بالبصرة ، ثم لما قدم بغداد أخذ عن حنبلية بغداد أمورا أخرى ، وذلك آخر أمره كما ذكره هو وأصحابه فى كتبهم.

وكذلك ابن عقيل كان تلميذ ابن الوليد وابن التبان المعتزليين ثم تاب من ذلك ، وتوبته مشهورة بحضرة الشريف ابى جعفر .

وكما أن فى أصحاب أحمد من يبغض ابن عقيل ويذمُّه ، فالذين يذمُّون الأشعرى ليسوا مختصين بأصحاب أحمد؛ بل في جميع الطوائف من هو كذلك.

ولما أظهرت كلام الأشعرى ورآه الحنبلية قالوا : هذا خير من كلام الشيخ  الموفَّق.

وفرح المسلمون باتفاق الكلمة، وأظهرت ما ذكره ابن عساكر فى مناقبه: أنه لم تزل الحنابلة والأشاعرة متفقين الى زمن القشيرى فإنه لما جرت تلك الفتنة ببغداد تفرقت الكلمة، ومعلوم أن فى جميع الطوائف من هو زائغ ومستقيم“اهـ

وبيّن شيخ الإسلام رحمه الله نسبية الانتساب للسلف والسنة؛ وذكر أنها تفور وتغور موافقة ومخالفة بحسب كثير من العوامل ولا ينبغي للمنصف أن يتبنى طريقة الإطلاق والتعميم؛ بل التحري هو عين الصراط السوي لمن اهتدى؛ فقال رحمه الله في الأشاعرة:

“وإن كان في كلامهم من الأدلة الصحيحة وموافقة السنة ما لا يوجد في كلام عامة الطوائف؛ فإنهم أقرب طوائف أهل الكلام إلى السنة والجماعة والحديث.

وهم يعدون من أهل السنة والجماعة عند النظر إلى مثل المعتزلة والرافضة وغيرهم، بل هم أهل السنة والجماعة في البلاد التي يكون أهل البدع فيها هم المعتزلة والرافضة ونحوهم”اهـ بيان تلبيس الجهمية (2/87).

ويؤكد ابن تيمية هذا المعنى بأوضح وأكثر تفصيلاً، وأن ما يقع للأشعري من الهنات إنما هو لشدة المعارك التي يخوضها نصرة للسنة إرغاما للفلاسفة والجهمية والرافضة والمعتزلة؛ فهو “كالجيش المجاهد الذي يقاتل الكفار فربما حصل منه إفراط أو عدوان”.

المنهاج 1/324

 وقال“وكذلك متكلمة أهل الإثبات؛ مثل الكلابية والكرامية والأشعرية؛ إنما قبلوا واتبعوا واستحمدوا إلى عموم الأمة بما أثبتوه من أصول الإيمان؛ من إثبات الصانع وصفاته وإثبات النبوة، والرد على الكفار من المشركين وأهل الكتاب وبيان تناقض حججهم، وكذلك استحمدوا بما ردوه على الجهمية والمعتزلة والرافضة والقدرية من أنواع المقالات التي يخالفون فيها أهل السنة والجماعة.

فحسناتهم نوعان:

1 إما موافقة أهل السنة والحديث

2 وإما الرد على من خالف السنة والحديث، وبيان تناقض حججهم.

ولم يتبع أحد مذهب الأشعري ونحوه إلا لأحد هذين الوصفين أو كلاهما، وكل من أحبه وانتصر له من المسلمين وعلمائهم؛ فإنما يحبه وينتصر له بذلك.  فالمصنف في مناقبه الدافع للطعن واللعن عنه؛  كالبيهقي والقشيري أبي القاسم وابن عساكر الدمشقي؛ إنما يحتجون لذلك بما يقوله من أقوال أهل السنة والحديث، أو بما رده من أقوال مخالفهيم، لا يحتجون له عند الأمة وعلمائها وأمرائها إلا بهذين الوصفين، ولولا أنه كان من أقرب بني جنسه إلى ذلك لألحقوه بطبقته الذين لم يكونوا كذلك؛ كشيخه الأول أبي علي وولده أبي هاشم.

لكن كان له من موافقة مذهب السنة والحديث في الصفات والقدر والإمامة والفضائل والشفاعة والحوض والصراط والميزان، وله من الردود على المعتزلة والقدرية والرافضة والجهمية وبيان تناقضهم؛ ما أوجب أن يمتاز بذلك عن أولئك، ويعرف له حقه وقدره.

وقد جعل الله لكل شيء قدرا، وبما وافق فيه السنة والحديث صار له من القبول والأتباع ما صار.

لكن الموافقة التي فيها قهر المخالف وإظهار فساد قوله هي من جنس المجاهد المنتصر”[1].

وقال: “والأشعرية فيما يثبتونه من السنة فرع عن الحنبلية كما أن متكلمة الحنبلية فيما يحتجون به من القياس فرع عن الأشاعرة”[11].

قال رحمه الله تعالى:

“ولا ريب أن الأشعرية الخراسانيين كانوا قد انحرفوا إلى التعطيل وكثير من الحنبلية زادوا في الإثبات”[2].

بل إن شيخ الإسلام كان يعيش ذلك سيرة في حياته مع كثير من معاصريه؛ كما ذكروا في موقفه مع علاء الدين الباجي الأشعري الذي كان ابن تيمية يعظمه كثيراً، ولما جالسه لم يجر بين يديه بلفظةٍ؛ فأخذ الشيخ علاء الدين يقول لابن تيمية تكلم نبحث معك.

وابن تيمية يقول له: “مثلي لا يتكلم بين يديك أنا وظيفتي الاستفادة منك”.

رحم الله الجميع.

ختاما:

نستخلص من تلك النقول والمواقف: ملامح الاعتدال والإنصاف عند ابن تيمية فيما يمارسه من نقد للأفكار والطوائف؛ وهي:

1 الشهادة بأن الأشاعرة أصناف وليسو صنفا واحدا

2 من الأشعرية من يثبت الصفات الخبرية وليس فقط الصفات السبع والصفات العشرين؛ ومن المثبتة ابن الباقلاني وابن فورك

3 من الأشاعرة “من يُحرِّم التأويل، ولا يتكلم في صحته ولا فسادِه؛ وهذا الذي ذكره أبو المعالي الجويني في رسالته “النظامية”

4 “العراقيون المنتسبون إلى أهل الإثبات من أتباع ابن كلاب كأبي العباس القلانسي، وأبي الحسن الأشعري، وأبي الحسن علي بن مهدي الطبري، والقاضي أبي بكر ابن الباقلاني، وأمثالهم، أقرب إلى السنة وأتبع لأحمد بن حنبل وأمثاله من أهل خراسان المائلين إلى طريقة ابن كلاب، ولهذا كان القاضي أبو بكر بن الطيب يكتب في أجوبته أحياناً: محمد بن الطيب الحنبلي، كما كان يقول الأشعري، إذ كان الأشعري وأصحابه منتسبين إلى أحمد بن حنبل وأمثاله من أئمة السنة

5 ثناؤه على ابن الباقلاني بأن له “من الفضائل العظيمة والمحاسن الكثيرة والرد على الزنادقة والملحدين وأهل البدع، حتى إنه لم يكن في المنتسبين إلى ابن كلاب والأشعري أجل منه ولا أحسن كتباً وتصنيفاً”

6 قوله عن ابن الباقلاني: “وكان منتسباً إلى الإمام أحمد وأهل السنة وأهل الحديث والسلف، مع انتسابه إلى مالك والشافعي وغيرهما من الأئمة حتى كان يكتب في بعض أجوبته: محمد بن الطيب الحنبلي”.

7 قوله: “وأبو بكر البيهقي موافق لابن الباقلاني في أصوله”

8 ثناؤه على أبي  ذر بقوله:

“أبو ذر فيه من العلم والدين والمعرفة بالحديث والسنة وانتصابه لرواية البخاري عن شيوخه الثلاثة وغير ذلك من المحاسن والفضائل ما هو معروف به”.

9 ثناؤه على الجميع بقوله:

“ثم إنه ما من هؤلاء إلا من له في الإسلام مساع مشكورة، وحسنات مبرورة، وله في الرد على كثير من أهل الإلحاد والبدع، والانتصار لكثير من أهل السنة والدين ما لا يخفى على من عرف أحوالهم، وتكلم فيهم بعلم وصدق وعدل وإنصاف”.

10 رفع عنهم الملام فيما زلوا فيه بقوله:

“لما التبس عليهم هذا الأصل المأخوذ ابتداء عن المعتزلة، وهم (أي: الأشاعرة) فضلاء عقلاء؛ احتاجوا إلى طرده والتزام لوازمه، فلزمهم بسبب ذلك من الأقوال ما أنكره المسلمون من أهل العلم والدين”.

ومن ذلك: تأكيده أن “ما يقع للأشعري من الهنات إنما هو لشدة المعارك التي يخوضها نصرة للسنة إرغاما للفلاسفة والجهمية والرافضة والمعتزلة؛ فهو “كالجيش المجاهد الذي يقاتل الكفار فربما حصل منه إفراط أو عدوان”.

11 بيانه أن خطأ أهل الاتباع منهم من الاجتهاد المأجور عليه وليس من الضلال:

“ولا ريب أن من اجتهد في طلب الحق والدين من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخطأ في بعض ذلك فالله يغفر له خطأه، تحقيقاً للدعاء الذي استجابه الله لنبيه وللمؤمنين حيث قالوا: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا}.

12 تأكيده بأن غيرهم يخطئ كما يخطئون:

قال شيخ الإسلام: “وهذا ليس مخصوصاً بهؤلاء، بل مثل هذا وقع لطوائف من أهل العلم والدين، والله تعالى يتقبل من جميع عباده المؤمنين الحسنات، ويتجاوز لهم عن السيئات، {ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم}

ومن ذلك: تأكيده “أن فى جميع الطوائف من هو زائغ ومستقيم”.

13 إنكاره على أهل الحديث الذين ضللوهم وأغلظوا فيهم القول:

“ومن اتبع ظنه وهواه فأخذ يشنع على من خالفه بما وقع فيه من خطأ ظنه صواباً بعد اجتهاده، وهو من البدع المخالفة للسنة، فإنه يلزمه نظير ذلك أو أعظم أو أصغر فيمن يعظمه هو من أصحابه، فقل من يسلم من مثل ذلك في المتأخرين، لكثرة الاشتباه والاضطراب، وبعد الناس عن نور النبوة وشمس الرسالة الذي به يحصل الهدى والصواب، ويزول به عن القلوب الشك والارتياب”.

14 بذله مجهودا لإزالة الوحشة بين الأشاعرة والحنابلة

تأمل: إزالة الوحشة بين الطائفتين؛ وليس فقط تأليف قلوب الأشاعرة.

15 تأكيده أن الأشاعرة “هم أهل السنة والجماعة في البلاد التي يكون أهل البدع فيها هم المعتزلة والرافضة ونحوهم”.

16 تأكيده أن “الكلابية والكرامية والأشعرية يثبتون الصانع وصفاته والنبوة ويردون على الكفار من المشركين وأهل الكتاب ويبينون تناقض حججهم، ويردون على الجهمية والمعتزلة والرافضة والقدرية من أنواع المقالات التي يخالفون فيها أهل السنة والجماعة”.

17 تأكيده أن “حسناتهم نوعان:

1 إما موافقة أهل السنة والحديث

2 وإما الرد على من خالف السنة والحديث، وبيان تناقض حججهم”.

18 اتخاذ موقف تقريبي من أشاعرة زمانه “كما ذكروا في موقفه مع علاء الدين الباجي الأشعري الذي كان ابن تيمية يعظمه كثيراً، ولما جالسه لم يجر بين يديه بلفظةٍ؛ فأخذ الشيخ علاء الدين يقول لابن تيمية تكلم نبحث معك.

وابن تيمية يقول له: “مثلي لا يتكلم بين يديك أنا وظيفتي الاستفادة منك“.

[1]  المجموع (4/12).

[2]  الفتاوى (6/54).