تاريخ النشر : 10/03/2016
عدد المشاهدات : 1776
الدين والسياسة والفقهاء
توقيع: الأستاذ العلامة عبد اللطيف جسوس
إن فقهاء وعلماء الصحابة ومن تبعهم من فقهاء وعلماء سلفنا الصالح ـ رضوان الله عليهم جميعا ـ كانوا دائما هم الزعماء السياسيون بحكم قيامهم بمهمتهم التي ناطها الله بهم؛ وهي رعاية مصالح شؤون المسلمين في جميع جوانب الحياة على أساس من الشريعة؛ فتراهم يصدعون بحكم الله في كل مشكلة، ويرون من واجبهم مناقشة الحكام ومحاسبتهم، وتوجيههم وتقديم النصيحة لهم خالصة ابتغاء مرضاة الله، فيأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر، ولا يتأخرون في القيام بالمهام الحكومية، حتى رأيناهم يتولون رئاسة الدولة ويتحملون مسؤولية الحكم والسياسة.
وهذا شيء عادي وطبيعي ما دامت الدولة دولة إسلامية تحكم بالإسلام وترعى شؤون الأمة على أساسه، ولهذا نص الأئمة من الفقهاء والعلماء أن من شروط الأفضلية لرئيس الدولة الإسلامية أن يكون مجتهدا.
ويتضح مما تقرر أن الشؤون السياسية هي من صلب الدين وجوهره، والعمود الفقري لمناهجه، وأن القيام بالشؤون السياسية فريضة أساسية في الإسلام تدل على حقيقة وجوده وكيانه.
وهذا هو المفهوم الصحيح للإسلام الذي أخذه فقهاء وعلماء الصحابة عن مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم المبعوث من الله رحمة للعالمين بهذا الدين الكامل .. الشامل .. الخالد ..
فامتزج هذا المفهوم الصحيح بأرواحهم، وقلوبهم، وعقولهم، فجرى في عروقهم مجرى الدم، فظهر في سلوكهم وفي جميع شؤون حياتهم، وبذلك كانوا دائما يتكلمون في شؤون نظام الحكم ويمارسونه بالفعل، كما رأيناهم يقودون كتائب الجهاد في سبيل الله، ويتحملون كل الأعباء السياسية في الدولة، وكانوا ـ باختصار ـ على الصفة التي وصفوا بها أنفسهم: “رهبان بالليل فرسان بالنهار”.
كما رأينا أم المؤمنين السيدة عائشة الصديقة ـ رضي الله عنها ـ تخاطب المسلمين في دقائق السياسة وشؤون الحكم في بيانات رائعة وحجج قوية.
ومن خلال هذا المفهوم الصحيح للإسلام انطلقت الكتيبة التي شقت عصا الطاعة على “الحجاج” وأنكرت عليه حكمه وسياسته بقيادة ابن الأشعت؛ وكانت تسمى: “كتيبة الفقهاء”؛
حيث كان يوجد فيها سعيد ابن جبير، (إمام التابعين وآخر من استشهد على يد الحجاج)، حيث لم يعمر الحجاج بعد قتله لسعيد بن جبير سوى خمسة عشر يوما على الأصح.
كما كان في هذه الكتيبة عامر الشعبي الفقيه المعروف وغيرهم من فقهاء التابعين وخيرة علمائهم رضوان الله عليهم.
ولهذا فالوضع الطبيعي للفقهاء والعلماء في الإسلام أن يكونوا هم الزعماء السياسيون، لا غيرهم من الجهلة ومحترفي السياسة والمسترزقين بها على حساب حقوق الأمة الإسلامية.
لكن لما تخلى الفقهاء والعلماء عن واجبهم الديني في رعاية مصالح المسلمين ـوهو ما يعبر عنه اليوم بالشؤون السياسيةـ؛ وابتعدوا عن واجبهم الذي أمرهم الله به، المتلخص في بذل أقصى الجهد ومنتهاه في بيان أحكام الإسلام ومواقفه السياسية بصراحة وجرأة، سواء للولاة أو للرعية، يبلغون بذلك رسالات الله ويخشونه ولا أحدا إلا الله، ليكونوا بحق ورثة الأنبياء كما قال في حقهم رسول الله صلى الله عليهم وسلم، وينصرون بذلك الإسلام الذي من عقيدته ينبثق نظام الحكم، والسياسة، وكل ما تتطلبه الحياة …
أقول: فلما تخلى الفقهاء والعلماء عن واجبهم في السياسة وهم أهل الحق وأصحاب المشروعية، وتركوا مكانهم خاليا، كان من الطبيعي أن يشغله أهل الباطل، ويحل محلهم أصحاب الأهواء والمصالح الشخصية من محترفي السياسة، المتاجرين بها.
وما كان للباطل أن يحضر إلا في غياب الحق، وما كان لقطع الليل المظلم أن يرخى بسدوله إلا في غياب نور شمس العلماء، المفروض فيهم أن يكونوا شموس الدنيا ونجوم لياليها، وكواكبها المضيئة الهادية”.
من كتاب: “في الحكم بما أنزل الله” الطبعة الأولى 1410هـ ـ 1990م. / (ص 162-163-164).
وسوم :الفقهاء عين على السياسة
ننوه الى أن ما ننشره من مواد للسادة والسيدات العلماء والمفكرين والمثقفين والسياسيين، لا يلزم منه الاتفاق معهم في كل أفكارهم وآرائهم
Nous précisons que le contenu publié d'un tiers auteurs n'implique pas que nous sommes forcément d'accord avec l'ensemble de ses idées.
Designed by Khalil BI