تاريخ النشر : 11/04/2016
عدد المشاهدات : 977
التلقيح الاصطناعي وأطفال الأنابيب
توقيع: الفقيه العلامة عبد الله كنون رحمه الله
أصبح التطور العلمي في هذا العصر مخيفا أحيانا، لما يفضي إليه من نتائج مدمرة للأخلاق والمواصفات الإنسانية والعقائد، وأما برامجه التي تهدف إلى التغلب والسيطرة على البلاد والعباد، والتفنن في صناعة أدوات السحق والمحق، فإنها قد طغت على الأعمال العلمية التي يراد منها تخفيف ويلات الإنسانية، ومعالجة الأمراض المستعصية، بحيث صار ما ينفق في هذه البرامج الجهنمية يتجاوز حدود التقدير، ويضغط على الإنفاق في الاتجاه العلمي الصحيح، مضايقا له ومتسببا في تأخره.
وما انتشار الجفاف في مناطق عديدة من العالم والمجاعة المترتبة عليه، وموت الملايين من البشر في إفريقيا وآسيا لنقص التغذية أو إعوازها بالمرة، والاشتغال بما يعزز قوى العدوان، وتوظيف العلم في اختراع وسائل الموت والخراب.
لذا فمن واجب رجال العلم والدين، وحماة الفضيلة، ومحبي السلام في العالم، أن يقفوا في وجه هذه الأخطار التي تهدد الإنسانية، والحضارة والقيم الأخلاقية والمثل العليا، ويعيدوا للناس إيمانهم بالحقائق الثابتة والمصالح العامة والعدالة والإخاء، وأن يقللوا من هذه الثقة العمياء في العلم، ويقووا الثقة بالله عز وجل ودينه وشرائعه.
ونحن المسلمين الذين ما يزال بين أيدينا بصيص من نور يهدينا سواء السبيل، علينا أن نحذر من كثير من المزالق التي يجرنا إليها دعاة التقدم العلمي ومحترفوا التكنولوجيا الحديثة، حتى لا تقع في المهاوي التي تبعدنا عن معالم الهدى ومنارات الرشاد.
وهذا الذي عرض علينا من أنواع التلقيح الاصطناعي وأطفال الأنابيب، هو مما يؤدي إلى محاذير كثيرة ونتائج خطيرة، تنعكس على حياة الأسرة والأوضاع الاجتماعية والخلقية والدينية، بما يبيح الممنوعات، ويحل المحرمات، وينقص أحكام الشرع في الزواج والنسب والعدة، والاستبراء والميراث والمصاهرة، وتحليل الفروج والوطئ الموجب للحد، وغير ذلك مما هو في الواقع هدم للشريعة المطهرة، التي حافظت على كيان المجتمع الإسلامي النقي قرونا عديدة، وميزته بصفاء الدم وبراءة الأرحام وسوية الخلق، حتى إنه كان يتغنى عن التطبب والعلاج من كثير من الأمراض والعقد النفسية، التي ما عرفها إلا مؤخرا عند اختلاطه بالأجانب عنه، ومس تيار الحضارة الغربية له.
وإذا كانت القاعدة الفقهية العامة، هي أن الوسائل تعطى حكم المقاصد، فما حرم من هذه المقاصد حرم ما يتوسل به إليه؛ فإن تلقيح امرأة بنطفة رجل غير زوجها أو بويضة امرأة أخرى، وذلك في حالة عقم الزوج أو عقر الزوجة، بقصد الإنجاب، هو من المحرمات، لما يترتب عليه من الممنوعات السالفة الذكر، في النسب والإرث والمصاهرة وغيرها.
وكذلك تلقيح نطفة رجل بويضة امرأة ليست زوجة في أنبوب، مما توصلت إليه التكنولوجيا الحديثة، وزرع هذه اللقيحة في رحم زوجة الرجل، وتلقيح نطفة رجل وبويضة امرأة ليسا زوجين في أنبوب، وزرع لقيحة هذا المزيج في رحم امرأة متزوجة.
وكذا زرع نتيجة بذرتي زوجين في رحم امرأة أجنبية عن البويضة، ولو كانت زوجة ثانية للرجل.
فكل ذلك محرم شرعا، مهما كان الداعي إليه، فإن من تمام الأمومة الحمل، كما قال تعالى: {حملته أمه وهنا على وهن}
وهذه الأنواع من التلقيح المباشر أو بواسطة الأنابيب مما ابتكره الأطباء المحدثون، وهو مما يجري به العمل اليوم في الغرب بكثرة؛ لأن قضية النسب والروابط الأسرية وأسباب الإرث هي مما يتساهل فيه هناك، ويخالف ما تقرر في شرع الإسلام.
وعليه، فإذا انتفت هذه المخالفة، ولم يكن هناك ما يعطل الحكم الشرعي في الزوجية والنسب والإرث، وما إلى ذلك من المسائل، بحيث يكون الغرض من التلقيح جائزا شرعا وسليما من المؤاخذة؛ فإنه لا بأس به حينئذ، سواء كان مباشرا، كتلقيح امرأة بنطفة زوجها مباشرة، أو بعد تلقيح بذرتيهما في أنبوب، وزرع اللقيحة في رحم الزوجة، مع التحري في ذلك بأن يكون على يد طبيبة مسلمة، أو طبيبة أجنبية، فإن لم توجد فطبيب مسلم مأمون، فإن لم يوجد فأجنبي كذلك.
هذا وينطلق تقرير المجمع الفقهية بمكة المكرمة، في موضوع التلقيح الاصطناعي وأطفال الأنابيب من نظرية الأطباء والفقهاء الذين يرون أن زرع الحياة في المواليد الإنسانية، يكون بعد تلقيح نطفة الرجل ببويضة المرأة في الرحم، ونرى أن الحياة كامنة في بذرتي الرجل والمرأة منذ إنشائهما، ونستدل على ذلك بقوله تعالى: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى}
وهي تشير إلى أخذ الله العهد عليهم بالإيمان به، وهم في عالم الغيب، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في تفسيرها: “إنه لما خلق الله آدم أخرج ذريته من صلبه وهم مثل الذر، وأخذ عليهم العهد بأنه ربهم، فأقروا بذلك“، وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم من طرق كثيرة.
ويعني هذا حياة كل من النطفة والبويضة قبل التلقيح، ولهذا جاء في الحديث: “تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس“. والله أعلم.
فتاوى العلامة الشيخ عبد الله كنون: (9ـ11).
وسوم :الفتاوى النوازل والمستجدات
ننوه الى أن ما ننشره من مواد للسادة والسيدات العلماء والمفكرين والمثقفين والسياسيين، لا يلزم منه الاتفاق معهم في كل أفكارهم وآرائهم
Nous précisons que le contenu publié d'un tiers auteurs n'implique pas que nous sommes forcément d'accord avec l'ensemble de ses idées.
Designed by Khalil BI