أنشطة وأخبار

معالم الأسرة في القرآن والسنة

تاريخ النشر : 20/04/2016

عدد المشاهدات : 1870


معالم الأسرة في القرآن والسنة

(كيف نبني أسرة متماسكة وفعالة)

بقلم: حماد القباج[1]

لعل من باب توضيح الواضحات التعرض بالنقد لأولئك الذين أقنعوا أنفسهم بأن المجتمع لا يحتاج إلى مؤسسة اسمها الأسرة، وأن العلاقة بين الجنسين ينبغي أن تكون مطلقة من كل قيد، ولو كان المقيِد هو الشرع الذي جاء لتحقيق مصالح العباد في الدارين!

فالإنسان عند هؤلاء أشبه ما يكون بالبهيمة؛ يشبع غريزته مع من وجد، وما قد ينتج عن ذلك من ولد؛ فأسرته المجتمع؛ يقيم له المحاضن، وتتابع تربيته الجمعيات والمنظمات الإنسانية!

فأمثال هؤلاء لا كلام لنا معهم، لأنهم رضوا لأنفسهم بالدون، ودسوها في تراب حال بينهم وبين ما ينبغي أن يكون عليه العاقل من تحكم في نزواته وعقل لشهواته بعقال القيم الأخلاقية التي تساعد على بناء صرح المجتمع على أساس من الوعي بالمسؤولية، والقيام بالواجب، دون الخضوع للشهوات البهيمية ..

وبعيدا عن تلك الانتكاسة الإنسانية؛ أقول:

تختلف أنظار الناس في هذه المسألة الجليلة (سبل تكوين أسرة متماسكة وفعالة)، حسب اختلاف مرجعياتهم، واختلاف مستوياتهم الفكرية والمعرفية.

والمسلم بصفته أسلم وجهه لله وانقاد لشرعه، بعد أن أدرك بالدليل والبرهان أن هذا الإسلام وذلكم الانقياد هو مناط التوفيق والفلاح.

المسلم بصفته كذلك؛ ينطلق في هذا الموضوع الحساس -كغيره-؛ من المعين الصافي والرقراق الوافي:{القرآن العظيم والسنة المشرفة}، وهو موقن بالحقيقة التي بينها الوحي الإلاهي للبشرية جمعاء، ولخصها سفيره المبارك صلى الله عليه وسلم في قوله: “لقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا بعده أبدا: كتاب الله وسنتي“.(رواه الحاكم وصححه).

ولا شك أن تأسيس الأسرة وسياستها من أهم الشؤون التي ينبغي أن نتمسك فيها بهذين الأصلين الشريفين إذا أردنا ركوب سفينة الاهتداء، وتنكب طريق الضلال والشقاء.

وهو ما أحببت تسليط الضوء عليه في هذا المقال.

خطوط عريضة ومعالم في طريق إيجاد الأسرة المطلوبة:

1- النية في الزواج:

المفروض في المسلم أن تكون همته عالية، ونظرته للأشياء عميقة؛ ولذلك فهو في نيته في الزواج لا يقف عند حدود ضيقة، يبقى فيها أسير أهوائه وشهواته، بل تتعالى نظرته لتسكب في قلبه نية صالحة، تمثل أرضية طيبة تنبت كل نافع.

وتتلخص هذه النية فيما يلي:

  • قصد العفة والسلامة من الفاحشة.
  • قصد الإحسان إلى الطرف الآخر ومعاشرته بالمعروف.
  • التماس الذرية الصالحة.

كل ذلك امتثالا للأمر الشرعي، ابتغاء مرضاة الله.

وتؤسس لهذه المقاصد نصوص منها:

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج“.(متفق عليه).

عن عائشة رضي الله عنها أن النبي e قال:”خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي“.(رواه الترمذي).

وقال عليه الصلاة والسلام:”..ونساؤكم من أهل الجنة:الودود الولود العؤود على زوجها ؛ التي إذا غضب جاءت حتى تضع يدها في يد زوجها وتقول:لا أذوق غمضا حتى ترضى“.( السلسلة الصحيحة).

وقال النبي e أيضا: «تزوجوا الولود الودود، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة» (رواه أبو داود،والنسائي).

وتكثير النسل غير مقصود لذاته، ولكن المقصود –مع تكثيره- صلاحه واستقامته وتربيته وتنشئته ليكون صالحا مصلحا في أمته، وقرة عين لوالديه، وأداة فعالة في ترقية المجتمع وتنميته.

وأهمية هذا المعلم في إيجاد الأسرة الصالحة المصلحة، المحافظة على تماسكها، تكمن في وجوه؛ أبرزها: أن وضع هذه الأهداف السامية تجعل الإنسان لا يهتم كثيرا لما فاته في زواجه من مطالب شخصية،ورغبات ذاتية،وما حصل له من نقص في الاستفادة من بعض الحقوق؛ولذا فهو لا يبادر –كما يفعل البعض- لتشتيت شمل الأسرة لمجرد فقده لبعض تلك المزايا والحقوق،ولكن يأخذ من ذلك العفو،ويضحي بالباقي من أجل الوصول إلى تلكم الأهداف النبيلة.

2- معيار الاختيار في الزواج:

وقد بينته نصوص من القرآن والسنة، ويتلخص ذلك في حديثين:

الأول:عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك“. (متفق عليه).

وقال عليه الصلاة والسلام: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه»(رواه الترمذي).

مفهوم الشرط هنا أنه إذا تقدم لخطبة المرأة من لا يُرضى دينه أو خلقه فلا يزوج.

ولا شك أن عمل الرجال والنساء بهذا التوجيه يساهم إلى حد كبير في حماية الرابطة الزوجية، وبالتالي الترابط الأسري، من معاول الهدم، وعوامل التفكيك.

كما يُعد فقدان هذا الأمر، وعدم مراعاته من أكبر الأسباب الكامنة وراء التخبطات التي تتخبط فيها الأسرة في مجتمعاتنا الإسلامية.

 وأود أن أبين هنا بأن الدين الذي جعل معيارا في هذه النصوص،ليس بالتمني ولا بالتحلي،وليس هو مجرد لحية ترخى،أو خمار يضرب به،كما أنه ليس مجرد وعود تصدر في وقت الخطوبة،بقدر ما أنه التزام شامل بأحكام وآداب هذا الدين يقوم على الصدق،ويغذيه اليقين،ويظهر جليا بينا في السلوك.

ويزيد هذا المعلم وضوحا، تاليه وهو:

3- أداء الحقوق من الزوجين والالتزام بآداب العشرة الشرعية:

وقد عظمت الشريعة حق الزوجة على زوجها،وحقه عليها:

ونقتصر أيضا هنا –والمقام لا يتحمل البسط-على توجيهين نبويين كريمين:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله e: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم  لنسائكم».(رواه الترمذي وصححه).

وعن معاذ أن رسول الله e قال:”لا تؤدي المرأة حق الله عز وجل عليها كله حتى تؤدي حق زوجها عليها كله“.(رواه أحمد).

إن الأثر التربوي لهذين التوجيهين–وغيرهما كثير- أن يتسابق كل من الزوجين إلى قلب الآخر،وقد اتخذ كل منهما إليه السبيل الذي دلّ عليه وأمر به رسول الله e:

لا تألو الزوجة جهداً في أن تتحبّب إلى زوجها بكل ما تملك من أفانين الخدمة والرعاية ووسائل الإبهاج والإسعاد.. ولا يألو الزوج جهداً في أن يتحبّب هو الآخر إلى زوجته بكل ما يملك من سبل الإيناس والإسعاد ومدّ يد العون في مختلف مهام المنزل وشؤونه، ومعاملتها بأقصى ما يستطيع من لطف. وإنما يندفع كل منهما إلى هذا السبيل تنفيذا لتعاليم رسول الله e.

فتصوّر زوجين يتسابقان؛ كل منهما إلى قلب الآخر، على هذا النهج، كيف تكون علاقة ما بينهما، وأين يكون مكان الحبّ من حياتهما؟

إن هذين الزوجين قد يبدأ الحب في حياتهما صغيرا، ولكنه ما يلبث أن يَكْبُر ثم يكبُر، ولسوف يستمرّ في النموّ والازدهار، تماماً كالشجرة التي تلقى الرعاية والسقيا على الدوام.. وشهر العسل في حياة مثل هذين الزوجين هو العمر كله.

على العكس من الحياة الزوجية التي تبدأ شاردةً عن وصايا رسول الله e هذه لكل من الزوجين، بعيدة عن الالتزام بتعاليم الإسلام ونهجه، فإن الحب قد يبدأ بين الزوجين كبيراً، وذلك في غمار تلاقيهما وتعايشهما المبدئي من وراء سور الزواج، ولكنه ما يلبث أن يصغر ثم يصغر، حتى تخمد حرارته وتعود علاقة ما بينهما إلى حياة تقليدية رتيبة، هذا إن خلت من الخصام والمنغصات.

4- العناية الشرعية بالبيت:

والبيت هو الظرف المكاني الذي تعيش فيه الأسرة، وتباشر في ربوعه أداء رسالتها، فلا غَرو أن أحاطته نصوص القرآن والسنة بأحكام وآداب يمكن إجمالها فيما يلي:

* إعماره بذكر الله تعالى: ويدخل في ذلك:صلاة النافلة للرجال،والصلاة مطلقا للنساء،وتلاوة القرآن،وإقامة مجالس التفقه في الدين والتواصي بالحق.

* الحرص على خلوه من المخالفات الشرعية.

* الحرص على الآداب الشرعية؛ في البناء والاستئذان وغيرهما

* الحرص على الجوار الصالح.

* الحرص على حجاب النساء وستر العورات.

وهذه أمور تحيط الأسرة بسياج من الأمن، وتحليها بحلية الوقار والمهابة، وتجعل أفرادها يتفيؤون ظلال السكينة والطمأنينة.

وهذه أساسيات لاستقرارهم، ونجاحهم في أدائهم.

5- وجود الأم في البيت:

انظر إبراز أهمية هذا المعلم في مقالتي: “ربة البيت ودورها في الإصلاح والتنمية”.

6- تربية الولد تربية شرعية:

قال الله تعالى:{يوصيكم الله في أولادكم}(النساء).

وقال سبحانه:{يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا}(التحريم).

ومن البين الجلي أن هذا المعلم كغيره من هذه المعالم يحتاج لإبرازه في ضوء القرآن العزيز والسنة المشرفة إلى مجلدات.

وأكتفي هنا بالتنبيه على أمر مهم،الحاجة إلى بيانه قائمة وملحة:

وهو ضرورة ربط جسور التواصل بين الوالدين وأولادهم،وأن يتولى الوالدان التوجيه المباشر للطفل وكسر حاجز الأسرار بينهما وبينه.

والطفل إذا أُغلق الباب بينه وبين الوالدين الحريصين على توجيهه إلى الخير وحمله عليه؛ طرق أبوابا أخرى غالبا ما يكون في ولوجها أضرار وأخطار،تودي به إلى الهاوية،..وهنا يصير الموجه هو التلفاز والشبكة العنكبوتية (الأنترنت) والأصحاب..،وهذه كلها مصادر مشبوهة،بل محققة الخطر.

فعلينا أن نقيم قنوات حوار وتوجيه قوية ومؤثرة بيننا وبين أولادنا،عبر مجالس منتظمة واجتماعات متتابعة،نتشارك معهم فيها مشاكلهم واستفساراتهم وأسرارهم،ونوجههم من خلال ذلك الوجهة الصحيحة،والتي نصدر فيها نحن بدورنا من توجيهات ديننا العظيم.

7- بر الوالدين:

وهو أدب معروف في ديننا،وكثير من النصوص المؤسسة له معروفة عند الصغير والكبير،فلا تكاد تتلو على مسلم –مثلا- قوله تعالى:{وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه}،حتى يتمم قائلا:{ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} (الإسراء23).

وقصدي هنا بيان ملحظ مهم:وهو أن نجاح الأسرة،وأداءها لرسالتها العظيمة،مرتبط إلى حد كبير بقيام الأولاد بدورهم في ذلك،وهذا من أعظم برهم بآبائهم؛فيعينونهم وهم أحياء،ويواصلون عملهم بعد وفاتهم،ومن ذلك أن يؤسسوا هم بدورهم أسرا تنحو المنحى نفسه،وتعمق جذوره في المجتمع.

8- العلم والأخلاق:

الفرد لا يصلح إلا بالعلم،ولا يُستفاد من العلم إلا إذا ورَّث عملا جادا وسلوكا قويما.

ولئن كان العلم هو الموجه، فإن الخلق والسلوك هو التصديق العملي لما وجه إليه ذلك العلم،فإذا فقد الفرد هذين الأساسين خسر كثيرا،وخسرت بخسارته الأسرة.

وقد تقرر في ديننا أن العلم مقدم على القول والعمل،وأن العلم النافع هو الذي يترجم إلى عمل.

ولا بد لنجاح الأسرة من تحقق هذين الأمرين الجليلين –ولو بنسبة معينة- في أفرادها، لا سيما أهل التوجيه والتسيير منهم ..

ومتى غلب على رعاة الأسرة: الجهل والانحراف الأخلاقي؛ كانوا وبالا على أسرتهم ..

ومن الأخلاق المطلوبة بين أفراد الأسرة:

9- توقير الكبير ورحمة الصغير:

وهما أدبان مهمان بين أفراد المنظومة الأسرية،تجعل قافلتها تمضي في جو من الوئام والمحبة،والاستفادة المتبادلة.

عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:”ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا“.(رواه الترمذي وصححه).

وهذا النفي النبوي يدل على أن رحمة الصغير والعناية به، واحترام الكبير وخدمته؛ سلوك هام للأسرة والمجتمع.

والأسرة المسلمة في أمس الحاجة إلى هذا التوجيه، لا سيما وأن أفرادها يكونون في كثير من الأحوال كثر، وغير منحصرين في الوالدين والأولاد؛ فيأتي هذا التوجيه ليقوي آصرة التلاحم، ويزيد في وتيرة التعاون بين أفرادها.

10- قيام الدولة والمجتمع بدورهما:

ليس الزوجان وأولادهما ومن يعيش معهم من الأفراد، المسؤولين الوحيدين عن نجاح الأسرة.

بل لباقي مكونات المنظومة المجتمعية أدوار متفاوتة الأهمية في ذلك:

فالدولة بسلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية تجتهد في بناء الجانب القانوني لشؤون الأسرة، كما تسهر على التطبيق الجاد والمسؤول لتلكم القوانين، ومقاومة ما يناقضها من تصرفات وعادات؛ توعية وتربية وعقوبة ..

وجمعيات المجتمع المدني لها دور كبير في دعم وتكميل عمل الدولة ..

والجيران يلتزمون في سلوكهم بتوجيهات الوحي المباركة.

والأسر بصفتها مكونات المجتمع تتعاون على أداء رسالتها الإصلاحية التنموية،وتتواصل فيما بينها،وتتواصى، لتحقيق ذلك…وهكذا.

والأسرة بهذا الاعتبار داخلة في مسؤولية الجميع،ونبينا الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم يقول:”ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته“.(رواه مسلم).

أما بعد، فهذه عشرة كاملة؛ ذلك لمن أراد الوقوف على أهم المعالم التي وضعها الكتاب العزيز وبينتها السنة الغالية في طريق بناء أسرة تسهم بشكل بارز ومؤثر في إيجاد واستمرار مجتمع صالح ومتماسك.

[1]  نشرت هذه المقالة في العدد 6 من جريدة السبيل؛ سنة 2006.

وسوم :

مواد ذات صلة

وحش الحرية

تاريخ النشر : 3/08/2022

عدد المشاهدات : 1234

رسالة مفتوحة إلى الأستاذة أمينة بوعياش

تاريخ النشر : 29/06/2022

عدد المشاهدات : 854

المساواة في الإرث

تاريخ النشر : 26/06/2022

عدد المشاهدات : 1456

هل كرم الإسلام المرأة؟

تاريخ النشر : 15/04/2018

عدد المشاهدات : 1354

خلفية المطالبة بتغيير نظام الإرث

تاريخ النشر : 3/04/2018

عدد المشاهدات : 1476

الأسئلة العقلانية في قضية الإرث

تاريخ النشر : 26/03/2018

عدد المشاهدات : 1867

'