أنشطة وأخبار

قضية فلسطين وبيت المقدس في النبوة المحمدية

تاريخ النشر : 10/12/2017

عدد المشاهدات : 3306


مذكرات بيت المقدس (3)

قضية فلسطين وبيت المقدس في النبوة المحمدية

 

بقلم: حماد القباج

1 عن معاوية بن قرة عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم؛ لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة[1].

وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده؛ قال: قلت: يا رسول الله أين تأمرني؟

قال: “هاهنا“؛ ونحا بيده نحو الشام”[2].

2 وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك“.

قالوا: يا رسول الله؛ وأين هم؟

قال: “ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس[3].

فقه الحديثين:

يتكلم هذان الحديثان عن صنف معين من المسلمين اصطلح العلماء على تسميتهم: “الطائفة المنصورة”؛

وذِكْرُها والتنويه بها متواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إلا أن هذين الحديثين يشيران إلى حقائق هامة حول هذه الطائفة وعلاقتها بالقضية الفلسطينية وقضية بيت المقدس:

1 الحقيقة الأولى: أنها بالشام:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

“والنبي صلى الله عليه وسلم ميز أهل الشام بالقيام بأمر الله دائما إلى آخر الدهر؛ وبأن الطائفة المنصورة فيهم إلى آخر الدهر؛ فهو إخبار عن أمر دائم مستمر فيهم مع الكثرة والقوة.

وهذا الوصف ليس لغير الشام من أرض الإسلام؛ فإن الحجاز -التي هي أصل الإيمان-؛ نقص في آخر الزمان منها العلم والإيمان والنصر والجهاد، وكذلك اليمن والعراق والمشرق.

وأما الشام فلم يزل فيها العلم والإيمان ومن يقاتل عليه منصورا مؤيدا في كل وقت، والله أعلم”[4].

2 الحقيقة الثانية:

أن هذه الطائفة غالبا ما تكون ببيت المقدس ونواحيه:

قال ابن بطال رحمه الله تعالى: “وصفة الطائفة التى على الحق مقيمة إلى قيام الساعة؛ أنها ببيت المقدس دون سائر البقاع”[5].

وإذا كانت هذه الطائفة محددة من حيث مكانها وحيزها الجغرافي؛ فإن الأحاديث لم تحدد لها زمانا دون آخر؛ بل هي مستمرة إلى قرب قيام الساعة ..

3 الحقيقة الثالثة:

هذه الطائفة ليست جماعة ذات انتماء محدود معين؛ بل هي من سائر أصناف وطبقات المسلمين من أهل الشام وفلسطين؛ من رجال ونساء وشباب وشيوخ، وعلماء ومثقفين وتجار وحرفيين ومهندسين ..، وأغنياء وفقراء، ومنتمين لأحزاب وجماعات وفصائل وغير منتمين ..

قال الإمام النووي رحمه الله:

“يحتمل أن تكون هذه الطائفة مفرقة في أنواع المؤمنين ممن يقوم لله من المجاهدين والفقهاء والمحدثين والزهاد والآمرين بالمعروف وغير ذلك من أنواع الخير”.

فالمشترك بين أفرادها الجامع لهم؛ هو حب الدين الإسلامي ومقدساته؛ ومنها: بيت المقدس، والحرص على مقاومة العدوان عليه وعلى أهله وغيرهم من أهل الشام وفلسطين.

4 الحقيقة الرابعة: أنها منصورة:

وهذا يحتمل النصر بمعنييه:

الأول: ظهور الحجة: “ظاهرين لعدوهم

فهم أصحاب حق متمسكون به مبطلون لشبهات عدوهم التي يناور بها لسلب حقهم؛ والحق هنا عام؛ يشمل: دينهم وأرضهم؛ فدينهم حق وملكيتهم لأرضهم حق.

وهذا الحق ظاهر منصور بالحجة الظاهرة القاهرة.

ومن ظهور هذا الحق؛ لم تستطع الأمم المتحدة –مع تحيزها لدولة بني إسرائيل-؛ القفز عليه؛ واضطرت معظم الدول الدائمة العضوية بمجلس الأمن إلى التصريح برفض قرار الرئيس الأمريكي (ترامب) اعتبار القدس عاصمة لدولة الاحتلال.

الثاني: الانتصار بالقوة في الميدان

قال السندي: “قوله: (منصورين) أي بالحجج والبراهين، أو بالسيوف والأسنة”[6].

وقد تحقق أول انتصار للمسلمين بالقوة في بيت المقدس سنة 16 للهجرة على يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي استسلم البيزانطيون أمام جيشه وفتحوا له باب بيت المقدس دون قتال، ثم تحقق الانتصار بالقوة في الميدان على عهد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله تعالى في أواخر القرن السادس الهجري؛ حيث طرد بالقوة العسكرية الصليبيين الإرهابيين الذين كانوا قد احتلوا بيت المقدس نحو مائة سنة؛ ومارسوا أثناء احتلاله جرائم حرب فظيعة لم يسلم منها بعض طوائف النصارى أنفسهم ..

وسيكون النصر بحول الله في نهاية المطاف لهذه الطائفة المرابطة من المسلمين؛ بكل فصائلها وأفرادها ..

وفي الحديث معنى هام؛ وهو أن قضية المقدسيين وأهل فلسطين؛ ستكون مشهورة معروفة:

قال في فيض القدير (6/ 395): “واحتمال أنه أراد بالظهور: الشهرة وعدم الاستتار”.

وقال صاحب المرقاة: “(ظاهرين): أي: غالبين منصورين، أو معروفين مشهورين”[7].

وهذا يؤكد أهمية التحسيس والتوعية في موضوع القضية الفلسطينية؛ فإن هذا من أسباب تحقق النصر النهائي واسترجاع الحق المسلوب.

5 الحقيقة الخامسة:

أنهم سيخذلون، بل وسيخالفهم كثير من أهل أمتهم ويحاربونهم؛ ومع هذا لن يؤدي ذلك الخذلان إلى زوالهم مهما أصابهم من لأواء ومحن ..

قال العلامة القاري: “لا يضرهم من خذلهم“؛ أي: ترك نصرتهم ومعاونتهم”[8].

ونحن نرى كيف أن المنتظم الدولي وأكثر الأنظمة العربية والإسلامية خذلوا الفلسطينيين والمقدسيين وأهل غزة؛ وتركوهم عرضة للإرهاب الفظيع الذي تمارسه دولة بني إسرائيل المحتلة الظالمة التي سفكت الدماء وشردت وأسرت الآلاف وانتهكت حرمة بيت المقدس بكل أشكال الانتهاكات ..

ومع ذلك فإن المقدسيين ثابتون مرابطون، ورجال المقاومة صامدون متحملون لللأواء والمحن مع ما يجدون من خذلان العرب والمسلمين.

ومما يؤكد أن هذه الأمة الإسلامية أمة حية مع ما أنهك جسدها من أمراض تسبب فيها المنافقون والخونة؛ أن الشعوب العربية والإسلامية ظلت دائما مناصرة لأهل فلسطين؛ وأن بعض الأنظمة قدمت ما في وسعها نصرة لهم؛ وبعد القرار الأخرق للرئيس الأمريكي (ترامب) عبّر عدد من زعماء العالم الإسلامي عن رفض قاطع ومعارضة شديدة لهذا القرار كما فعل ملك المغرب محمد السادس بصفته رئيسا للجنة القدس، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان بصفته رئيسا لمنظمة التعاون الإسلامي، وملك الأردن عبد الله الثاني بصفته راعيا للأوقاف المقدسية، كما اعترض على القرار بقوة رئيسا أندونيسيا وماليزيا ..

وكغيري من المسلمين أتطلع إلى ما سيصدر عن القمة المبرمجة يوم الأربعاء القادم لمنظمة التعاون الإسلامي؛ وإن كنت أتوجس من محاولات الإجهاض التي اعتدنا أن يتواطأ عليها أعداء الأمة وعملاؤهم ..

وأختم مقالتي بهذا الحديث الذي ينوه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم برباط أهل فلسطين:

عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أولُ هذا الأ مرِ نبوةٌ ورحمةٌ، ثمَّ يكونُ خلافةٌ ورحمةٌ، ثمّ يكون مُلكاً ورحمةً، ثمّ يتكادمون عليه تكادُم الحُمُرِ، فعليكُم بالجهادِ،
وإن أفضل جهادِكم الرِّباطُ، وإن أفضلَ رباطِكم عسقلانُ“. [السلسلة الصحيحة 3270]

[1]  رواه الترمذي في سننه (4/ 55) / “باب ما جاء في الشام”. و قال الترمذي: “وهذا حديث حسن صحيح”. “وفي الباب عن: عبد الله بن حوالة، وابن عمر، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمرو”.

[2]  قال الترمذي: “هذا حديث حسن صحيح”.

قلت: وروه ابن ماجه (1/ 4) وأحمد في المسند (3 / 436 و 5 / 34).

[3]  رواه عبد الله بن الإمام أحمد في ” المسند ” (5 / 269) فقال: وجدت في كتاب أبي بخط يده: حدثني مهدي بن جعفر الرملي: حدثنا ضمرة عن السيباني -واسمه يحيى بن أبي عمرو- عن عمرو بن عبد الله الحضرمي عن أبي أمامة مرفوعا.

وأخرجه الطبراني في “الكبير” (7643)، وفي “الشاميين” (860) من طريق عيسى بن محمد بن إسحاق بن النحاس، عن ضمرة بن ربيعة، به.

قال في “المجمع” (7 / 288): “رواه عبد الله وجادة عن خط أبيه، والطبراني، ورجاله ثقات”.

[4]  مجموع الفتاوى (4/ 449).

[5]  شرح صحيح البخارى لابن بطال (10/ 60).

[6]  حاشية السندي على سنن ابن ماجه (1/ 7).

[7]  مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (6/ 2474).

[8]  مرقاة المفاتيح (9/ 4052).

وسوم :

مواد ذات صلة

كلمة حول مقتل السيدة شيرين أبو عاقلة

تاريخ النشر : 29/06/2022

عدد المشاهدات : 662

القدسُ .. والجُلَّسُ

تاريخ النشر : 17/01/2022

عدد المشاهدات : 747

المسجد الأقصى .. الجذور التاريخية والتأسيس

تاريخ النشر : 27/06/2021

عدد المشاهدات : 755

رباط غزة على ثغر الأقصى

تاريخ النشر : 13/05/2021

عدد المشاهدات : 2559

القضية الفلسطينية من خدعة القرن إلى صفقة القرن

تاريخ النشر : 18/01/2021

عدد المشاهدات : 1350

صفعة القرن

تاريخ النشر : 10/02/2020

عدد المشاهدات : 1256

'