تاريخ النشر : 7/04/2017
عدد المشاهدات : 3703
بقلم: حمّاد القباج
وضحت في مناسبات سابقة أنه لا تجمعني بجماعة الإخوان المسلمين علاقة تنظيمية ولا تواصلية ..
وإن جاز لي أن أعلن انتمائي الذي أعتز به؛ فهو الإسلام والوطن، ومدرستي التي تعلمت فيها حب الإسلام والوطن؛ هي المدرسة السلفية الوطنية التي أسسها عظماء في تاريخ المغرب؛ من طارق بن زياد وعقبة بن نافع ..
إلى عبد الله بن ياسين يوسف بن تاشفين ..
إلى سيدي محمد بن عبد الله ومولاي سليمان ..
إلى الحافظ أبي شعيب والإمام محمد بلعربي العلوي ..
إلى الدكتور تقي الدين الهلالي والفقيه عبد الله كنون ..
إلى شيخي د لحسن وجاج وشيخي د عادل رفوش ..
ولا أراني بحاجة الى قدوة بعد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن اقتدى بهداه؛ من أمثال أعلام المغرب أولئك.
لكن هذا لا يعني أنني أنكر فضل غيرهم أو أزعم أن الخير والتوفيق مقتصر عليهم؛ فلم يزل الخير مفرقا في أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من مشارق الأرض إلى مغاربها، ولم يزل للإصلاح رجاله ونساؤه ومدارسه التي تفرقت على الأمصار وأضاءت مناراتها مختلف البقاع والأقطار ..
ومن تلكم المدارس الإصلاحية: جماعة الإخوان المسلمين بعلماءها وقياداتها ومناضليها؛ الذين قدموا للأمة خدمات جليلة مشكورة لا يمكن إنكارها ..
ومهما اختلفت مع هذه الجماعة في تصورات ومواقف؛ فإنني أتفق معهم على تصورهم الشمولي للإصلاح؛ وأن الإصلاح بالدِّين يشمل كل المناحي والميادين؛ ولا يقتصر على “تزكية النفس” و”تعليم العلم” ..
كما أشكرهم على تضحياتهم في سبيل دينهم وأمتهم، وأتضامن معهم فيما تعرضوا له من ظلم فظيع وإرهاب شنيع؛ و”المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يسلمه“؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي إطار هذا الموقف الشرعي المعتدل؛ يمكن أن نناقش المسائل المختلف فيها؛ كترتيب الأولويات بين التربية والتعليم والسياسة، ووضع الحد الفاصل بين العمل المنظم والتحزب المذموم، ومفاهيم بعض المسائل الشرعية، وحجم ونوعية المشاركة السياسية .. الخ.
وموقفي هذا يستند إلى توجيهات القرآن الكريم والسنة المشرفة؛ التي تعلي من شأن التواد في الله والتعاون على البر والتقوى والتعارف والتناصح والتراحم والحلم والرفق ..
كما أنه يسترشد بتقييم العلماء الثقات غير المسيسين لهذه الجماعة وقياداتها؛ ومن ذلك:
1 موقف العلامة السلفي الشيخ محمد رشيد رضا (ت 1935) من الإمام حسن البنّا (ت 1949)؛ وكيف عهد الشيخ محمد إلى الشيخ البنّا بمواصلة تفسيره ..
فهل يصح أن يعهد عالم بحجم رشيد رضا إلى البنّا بإكمال تفسير القرآن؛ لو لم يكن عنده عالما مستكملا لشروط المفسر ومصلحا يحمل تصورا سليما عن مفهوم الإصلاح؟!
بل إن الأستاذ حسن البنّا كان مع الشيخ رضا في تحرير مجلة المنار إلى جانب الشيخ محب الدين الخطيب ..
وتولى البنّا تحرير المنار بعد رضا من أول يوم بعد وفاته ..
2 وذكر الشيخ عبد الله عزام أن جمال عبد الناصر طلب عام (1954) من شيخ الأزهر الشيخ محمد الخضر حسين (ت 1958) الإفتاء في جماعة الإخوان المسلمين بأنها جماعة من الخوارج؛ فرفض وقال على منبر الجامع الأزهر:
“لقد عشت خادما لديني لا مستخدِما له، ويكفي العبد الفقير كسرة خبز وشربة ماء، وما أكثر الفضاء في ملكوت الله.
وإني أشهد الله أن الإخوان دعوة ربانية؛ عرفتهم ميادين البذل والعطاء والجهاد والتضحية، لم يخونوا ولم يغدروا بما علمت عنهم.
وها أنا ذا اليوم أعلن استقالتي من كل منصب يحول بيني وبين إرضاء ربي”.
3 وقال العلامة الدكتور محمد تقي الدين الهلالي (ت 1987) رحمه الله تعالى في كتابه “الدعوة إلى الله” (ص:82) وما بعدها:
“وذلك أن الإمام حسن البنا رحمه الله ورضي الله عنه كتب إلي يقول: إن صحيفتنا “الإخوان المسلمون”، بلغت من الرواج ولله الحمد إلى أن صارت في مقدمة الصحف اليومية التي تصدر في القاهرة ولنا مكاتبون في جميع أنحاء العالم إلا في المغرب فليس لنا مكاتب يبعث لنا بأخبار إخواننا المسلمين في هذا القطر المهم، فأرجو من فضلك أن ترشدنا إلى مكاتب تختاره بما يطلب من المكافأة، وإن سمحت لك صحتك بأن تكون أنت بنفسك ذلك المكاتب فهو أحب إلينا.
فأجبته: لبيك يا لبيك يا لبيك — ها أنذا منطلق إليك”اهـ.
4 كان للشيخ الألباني (ت 1999) رحمه الله تعالى رأي مخالف في جماعة الإخوان المسلمين، ثم تراجع عنه، وأكد أنها جماعة إصلاحية وأن مؤسسها عالم مصلح أجرى الله على يديه خيرا كثيرا، وهو يصيب ويخطأ كغيره، كما أن الشيخ الألباني رفض بقوة الغلو في نقد أخطاء السيد قطب رحمه الله..
قال في سلسلة الهدى والنور (رقم الشريط:849): “إن الإخوان المسلمين ليسوا من الفرق الضالة، ولا أعتقد أني قلت ذلك.
ولو قلته فإني أتراجع عنه، ولا أعتقد أن يصل بي الأمر إلى أن أحكم على شخص ما بأنه من الفرق الضالة لمجرد مخالفة واحدة.
وكثيرا ما سُئلت عن الأحزاب القائمة اليوم خصوصا حزب الإخوان المسلمين هل أعتبرهم من الفرق الضالة؟
فأقول: لا.
وأقل ما يقال فيهم أنهم يعلنون تبعا لرئيسهم الأول حسن البنا رحمه الله أنه: على الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح”اهـ.
فهؤلاء أربعة علماء كبار تتابعوا عبر عقود على تزكية الإمام حسن البنّا والثناء على جماعته ..
فهل يعقل أن نترك هذا التقييم العادل المنصف لشطط غلاة ومتعالمين أطلقوا ألسنتهم في المصلحين الربانيين؟!
فقد خلف من بعد أولئك العلماء الأحرار الثقات؛ خلف من العلماء والدعاة باعوا أنفسهم للمستبد وتاجروا بدينهم خوفا وطمعا؛ وصارت مواقفهم السياسية -مشاركة ومقاطعة- خاضعة لإرادة ذاك المستبد الذي يتلاعب من خلالهم بالدِّين والدعوة ..
ومن أمارات هؤلاء أنهم يسكتون عن طغيان ومظالم وانحرافات رجال السلطة المستبدين مهما بلغت ..
وفي المقابل: يتصيدون العثرات لإخوانهم من الدعاة والعلماء المصلحين ..!
وأوضح النماذج: نموذج أدعياء السلفية في مصر؛ كالرضواني الذي يتحدث عن السيسي بكل ود وتقدير ويتطلب الأعذار لكل انزلاقاته وانحرافاته؛ وفي المقابل: يشيطن حسن البنّا ويعتبره أخطر على الأمة من اليهود والنصارى!
ومثل هذا الموقف المشين يتخذه في بلدنا أقوام يجعلون الحليم حيرانا لا يدري كيف يفسر مواقفهم:
فمرة تكون عندهم المشاركة السياسية واجبا شرعيا ووطنيا، ومرة تصير انحرافا لا يجوز الاقتراب منه!
وتارة يكون المشاركون إخوة أفاضل تشد لزيارتهم الرحال، وتارة أخرى يصيرون إخوانيين خبثاء لم يقدموا للدين ودور القرآن أية خدمة!
ومرة نقول عنهم: يقومون بوسعهم في الإصلاح، ومرات نزعم أن البلد لم تر منهم أي خير !!
وفي ظروف يوصف العالِم الذي يدعمهم بالسلفي الألمعي، وفي ظروف أخرى يوصف بالضلال والإخوانية المقيتة ..!
إلى غير ذلك من التناقضات التي تجعلك تتساءل:
هل يعرف هؤلاء ما يقولون؟
وهل يتكلمون بإرادتهم أم يرددون ما يؤمرون به ولو كان متناقضا؟!
ومن أعجب سمات هؤلاء؛ أنهم لا يكتبون في القضايا الكبرى للوطن والأمة، ولا يكتبون في إنكار الفساد المبين والاستبداد الحاد؛ وفي المقابل يحدون القلم لانتهاك أعراض إخوانهم ولو كانوا مظلومين مقهورين !
فالواحد من هؤلاء لا يكتب كلمة حين يستضيف حزب علماني ملحدا يسب الله ورسوله؛ فإذا اتخذ أخوه موقفا ضد الظلم والاستبداد الإرهابي كتب يعيره بالإخوانية !!
وفي المشهد السياسي والإعلامي أشخاص معروفون بمحاربة الدين والتدين، ولهم جهود واضحة في ذلك ..؛ فبدل أن يحمل أولئك (السلفيون) الأقلام لكتابة سلاسل علمية وفكرية نقدية؛ تكشف شبهاتهم وتبين فساد أفكارهم ..؛ يحملون السياط لجلد إخوانهم باسم الرد على الإخوان وحماية الدعوة من الفكر الإخواني والتحذير من الإخوان الجدد !
وهنا يتساءل الحيران:
كيف يعقل أن يبذل المسلم 80% من الجهد للرد على من يختلف معهم في 20% .. ولا يبذل سوى 5% للرد على من يختلف معهم في 95%؟!
علوم الرياضيات والفيزياء والمنطق عاجزة عن الجواب على هذا السؤال؛ وإنما نجد الجواب في علم السياسة؛ الذي يفتح احتمال كون هؤلاء يتحركون بالتعليمات؛ فأحد الشيوخ -مثلا- يتلقى الأمر من رجل السلطة الذي لا يحترم القانون، وهذا الشيخ يقول لآخر ينبغي أن ترد على فلان حماية للدعوة من الإخوانية!
وهذا الآخر ينفذ وهو يظن أنه يؤدي واجبا دينيا ..
وما درى المسكين بأنه لا يعدو كونه ضحية خطة سياسية تتلاعب به؛ وتوظفه لتكريس سياسة “فرق تسد”..
فائدة هامة:
أكبر ما ينقمه الخصوم على الشيخ حسن البنّا وجماعته أنهم يقولون بضرورة المشاركة السياسية؛ وهذا ما جعل رئيس الوزراء المصري ورئيس حزب الوفد سعد زغلول يهاجم حسن البنّا ويعاديه بعد أن كان صديقا له ..
وكان موقف زغلول بإيعاز من الاحتلال البريطاني ..
وهو نفس الموقف الذي اتخذه الاحتلال الفرنسي والإيطالي ..: إبعاد علماء الدين عن السياسة.
وقد جعل المحتل هذا الأمر من شروط الاستقلال التي وكل تنفيذها للأنظمة التي قبلت أن تبقى تابعة له ..
وتلك الأنظمة عملت على صنع علماء دين ودعاة وضعوا لذلك الموقف إطارا دينيا؛ من باب توظيف الدين في تزوير الحقائق وتحريف المواقف الشرعية.
ومن نماذج ذلك؛ ما أقدم عليه جمال عبد الناصر من مطالبة شيخ الأزهر آنذاك بوصف الإخوان بالإرهابيين ..
وفي المغرب ضغط الفرنسيون على السلطان محمد الخامس لإبعاد الفقيه بلعربي لأنه كان يمزج الدين بالسياسة؛ لكن السلطان الحر لم يستجب وجعل الفقيه وصيا على العرش بعد الاستقلال ..
ولعل من المفيد أن نعرف بأن الفرنسيين وصفوا بلعربي للسلطان بوصف: الإرهابي؛ لإقناعه بإبعاده !
حتى نعلم أنها مكيدة قديمة في سياسة المستبدين الظالمين..
ننوه الى أن ما ننشره من مواد للسادة والسيدات العلماء والمفكرين والمثقفين والسياسيين، لا يلزم منه الاتفاق معهم في كل أفكارهم وآرائهم
Nous précisons que le contenu publié d'un tiers auteurs n'implique pas que nous sommes forcément d'accord avec l'ensemble de ses idées.
Designed by Khalil BI