تاريخ النشر : 19/01/2016
عدد المشاهدات : 1264
رسالة مفتوحة إلى خادم الحرمين وسماحة المفتي ..
بقلم: حماد القباج
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا رأيتم أمتي تهاب الظالم أن تقول له: إنك أنت ظالم، فقد تودع منهم“. (رواه أحمد والحاكم وصححه)
حين نتحدث عن خادم الحرمين الشريفين، ملك المملكة العربية السعودية الشقيقة؛ فإننا نتحدث عن سياسي لا يمكن له أن يتبنى نظرية فصل الدين عن الدولة، ولا ينبغي له أن يفصل الأخلاق عن السياسة ..
من هذا المنطلق أحب أن أتناول بالتحليل الشرعي والسياسي موقفه الداعم للانقلاب العسكري الظالم في مصر ..
بدأ هذا الدعم بالمبادرة إلى الاعتراف بحكومة الانقلاب؛ وهي حكومة صورية يحركها الحاكم الحقيقي (البرادعي ممثل الإمبريالية والعسكر خادمها الوفي) ..
وهذه الحكومة لا يستقيم لها الحكم شرعا ولا ديمقراطية:
أما شرعا فلأنها حكومة (حاكم) خرج على ولي الأمر الشرعي، وهو بهذا الفعل يكون (ظالما) يشرع خلعه وعزله عند عامة الفقهاء.
وأما ديمقراطية فلأنها حكومة قفزت على العمود الفقري للديمقراطية (صناديق الاختيار)، وعينت من طرف الديكتاتور (قائد الانقلاب)، وقامت –ولا تزال تقوم- بأعمال هي من صميم الاستبداد المناقض للعدل والديمقراطية ..
وقد قامت القرائن الواضحة على أن الانقلاب بُيت له بليل ودُبر باتفاق مع الحكومة السعودية، وبعد أخذ الوعد منها بدعمه وتأييده.
ووفاء بهذا الوعد الآثم؛ فقد ضخت السعودية وحلفاؤها من دول الخليج مليارات قوية في سوق المال المصرية، مليارات شحت بفتات منها على حاكم شرعي ظهر صدقه مع ما ارتكبه من أخطاء وزلقات كان في أكثرها مكرها مضغوطا بين مطرقة الخذلان وسندان الضعف والهوان ..
بل إن دعمها الاقتصادي للانقلاب بلغ إلى حد معاقبة أردوغان بإلغاءها -مع دول الخليج الموافقة لها-؛ استثمارات بقيمة 12 مليار دولار كانت مبرمجة في تركيا من أجل حمل رجال الأعمال على اتخاذ موقف من رئيس الوزراء المسلم الوحيد الذي ندد بالانقلاب ومظالمه السوداء.
(غطاء دبلوماسي)، و(دعم اقتصادي)، وقبل ذلك وبعده (مكر إعلامي) عجزت عن صنعه عبقرية الشيطان؛ حملت لواءه وتقدمت جيوشه عالميا قناة العربية “السعودية”؛ قلعة العلمانيين والليبراليين العرب، الذين كشفت الأحداث سوءتهم وعرّت نفاقهم ..
المنافق إذا خاصم فجر وإذا عاهد غدر، وقد عاهدت هذه القناة المشاهدين على الحياد والموضوعية فانحازت إلى أكبر سلوك ديكتاتوري في هذا القرن، واختصمت مع الإخوان المسلمين ففجرت أشد الفجور وأخبثه ..
فجور بلغ إلى درجة استباحة دمهم وبذل الغالي والنفيس والسعي الخسيس؛ لإلباسهم لبوس الإرهاب وإظهارهم بمظهر مصاص الدماء الذي تقطر أنيابه بدماء المصريين وتتلطخ يده الباطشة بعرق المخنوقين بقبضته التي لا تشفق ولا ترحم ..
وهنا يطل خادم الحرمين مرة أخرى، ليؤكد دعمه لكل الإجراءات التي تقوم بها الحكومة المصرية لضرب الإرهاب واستئصال الإرهابيين!
وجاءت الملحمة، وانقض الوحش (الداخلية والجيش) على حِمل وديع (الاعتصام) اسمه رابعة العدوية، لم يعرف هذا الحِمل بسلاح ولا إرهاب ..، وإنما صيام وقيام وسجود وركوع ودعاء وخضوع، وحناجر تنادي بالحق المسلوب والكرامة المنهوبة ..
الحصيلة: أزيد من 400 قتيل و5000 جريح و10000 معتقل في رابعة وحدها !!!
أما بالنظر إلى كل الميادين؛ فقد تجاوزت الحصيلة: 3000 قتيل!!!
بأي دين؟ وبأي شريعة؟ وبأي عقل؟ وبأي منطق؟ يستحل دمهم ويستباح عرضهم ويهدر حقهم وتداس كرامتهم؟؟
استحلال وحشي لم أظن أبدا أن يفعله مصري بمصري، ولا أن يرضاه لمصري سعودي ولا مغربي ..
دبابات تقتنص الأحياء، وأخرى تجرف وتطحن جثث الأموات، جثث مفحمة ونساء مرملة وأطفال ميتمة ..
يا خادم الحرمين؛ هب أنك وجدت في السياسة ما يسوغ الاستبداد ويبرر الانقلاب؛ فلن تجد فيها أبدا ما يحل الدم الحرام ويبيح العرض الحرام.
يا خادم الحرمين؛ إنْ عقَلتْكَ أغلال الإمبريالية عن نصرة الشرعية، وأزلتك بطانة السوء عن الحكم بالحق والعدل؛ فلا أقل من أن تبذل جاهك وتوظف سلطتك في حجز الظالم المتوحش عن إراقة الدماء وتفتيت الأشلاء ..
ولا يقبل أبدا أن يحتج البرادعي على جرائم فض الاعتصام -وهو كذوب-، ويسجل على خادم الحرمين أنه أقر وشجع ودعم.
يا خادم الحرمين؛ أذكرك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق” (رواه ابن ماجه بإسناد حسن عن البراء بن عازب رضي الله عنه)
يا خادم الحرمين؛ أذكرك بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أعَان على قتل مُؤمن بِشَطْر كلمة لَقِي الله مَكْتُوبًا بَين عَيْنَيْهِ آيس من رَحْمَة الله” (رواه ابن ماجه عن أبي هريرة، وله شاهد من حديث ابن عمر رواه البيهقي)
قال سفيان بن عيينة: “هو أن يقول: “أُقْ” يعني لا يتم كلمة اقتل”.
قلت: فكيف بمن أعان على قتل مُؤمن بقوله: “أؤيد كل الإجراءات التي تقوم بها الحكومة المصرية لضرب الإرهاب واستئصال الإرهابيين”؟!!
يا خادم الكعبة؛ عن ابن عباس قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة فقال: “مرحباً بكِ من بيتٍ، ما أعظمَكِ، وأعظمَ حرمَتَكِ، وللمؤمنُ أعظمُ حرمةً عند اللهِ منكِ، إن اللهَ حرّم منكِ واحدةَّ، وحرّمَ مِنَ المؤمنِ ثلاثاً: دمَه، ومالَه، وأن يُظَنَّ به ظنُّ السُّوءِ” (رواه البيهقي في “شعب الإيمان” بسند حسن؛ انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة (7/ 1248))
يا خادم الحرمين؛ أذكرك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “المسلم أخ المسلم لا يظلمه ولا يسلمه” (متفق عليه)
أي: لا يظلمه بنفسه، ولا يسلمه إلى من يظلمه.
والمفارقة أن من تعرض لهذا البطش الشديد؛ اسمهم: الإخوان المسلمون!
هذه الجماعة جماعة إصلاحية مناضلة، خيرها أكثر من شرها، وقد رددنا على أخطاءها في مناسبات، وأيضا شكرنا جهودها في مناسبات ..
لم تربطنا بهم يوما علاقة، ولا جمعنا بهم مجلس، وهو شرف فاتنا..
وقد أنكرنا أخطاءهم في الممارسة السياسية، لا سيما وهم في الحكم ..
وأذكر أنني فرحت لما علمت أنهم لن يترشحوا للرئاسة، ثم توجست وترددت لما رشحوا الدكتور مرسي، وقد ساءني ما وقع فيه من أخطاء.. وحسبه نبلا وشرفا أنه اعترف بها ..
لكن أقول: مهما خالفناهم؛ فإننا لا نجيز ولا نقبل ما لحقهم من ظلم عظيم وبطش شديد؛ تكالب فيه عليهم الجميع: المنتظم الدولي / الدول العربية / الجيش / الأجهزة الأمنية / الإعلام / رجال الأعمال / البلطجية ..
وثالثة الأثافي: زلات حزب النور، وآخرها: اتفاقه مع الانقلابيين على تفعيل الحوار الوطني!
أي حوار يسوغ على أرض سالت بدماء الأبرياء؟!!!
أما أدعياء السلفية من الغلاة المتعالمين؛ فبلغت بهم الوقاحة إلى درجة أنهم يصبون الزيت في نار محرقة الإخوان؛ بتكثيف الخطب والمحاضرات في بيان انحرافاتهم –زعموا-!!!
وحاشا السلفية من هذا التواطؤ الجبان مع الظالمين المعتدين:
قال الإمام الألبانى رحمه الله وطيّب ثراه؛ في سلسلة الهدى والنور (رقم الشريط:849): “إن الإخوان المسلمين ليسوا من الفرق الضالة، ولا أعتقد أني قلت ذلك ولو قلته فإني أتراجع عنه، ولا أعتقد أن يصل بي الأمر إلى أن أحكم على شخص ما بأنه من الفرق الضالة لمجرد مخالفة واحدة.
وكثيرا ما سُئلت عن الأحزاب القائمة اليوم خصوصا حزب الإخوان المسلمين هل أعتبرهم من الفرق الضالة؟
فأقول: لا.
وأقل ما يقال فيهم أنهم يعلنون تبعا لرئيسهم الأول حسن البنا رحمه الله أنه: على الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح -وإن كانت هذه دعوى تحتاج لتفصيلها قولا وتطبيقها عملا-، ولكن نحن نكتفى منهم أنهم يعلنون الانتماء إلى الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح لكنهم يخالفون ذلك في قليل أو كثير.
وفيهم أفراد هم معنا في العقيدة لكنهم ليسوا معنا في المنهج، لذلك أنا لا أجد رخصة لأحد أن يحشرهم في زمرة الفرق الضالة، ولكنهم يخالفوننا في مواضع طالما ننقاشهم ونجادلهم فيها، لكنهم لا يستحقون بها أن نلحقهم بالفرق الضالة”اهـ
كما صدرت فتوى عن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء جاء فيها ما نصه:
“أقرب الجماعات الإسلامية إلى الحق وأحرصها على تطبيقه أهل السنة وهم أهل الحديث وجماعة أنصار السنة ثم الإخوان المسلمون، وبالجملة فكل فرقة من هؤلاء فيها خطأ وصواب، فعليك بالتعاون معها فيما عندها من الصواب واجتناب ما وقعت فيه من أخطاء مع التناصح والتعاون على البر والتقوى” اهـ
[فتاوى اللجنة: المجلد:34، الصفحة:91 / الفتوى تحمل توقيع المشايخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، عبد الرزاق عفيفي، عبد الله بن قعود، عبد الله بن غديان رحمهم الله جميعا].
أما بعد؛ فلست غافلا عن كون الملك عبد الله يريد شراء ود الجيش المصري لأن الخليج ضعيف بين (إسرائيل) وإيران ..
وأعلم أن المشروع السياسي لدول الخليج لا يلتقي مع المشروع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين ..
وأعرف أن الملك عبد الله غاضب على الرئيس مرسي لأنه رفض أن يطلق سراح حسني مبارك مع مطالبة الملك له بذلك وإلحاحه عليه ليحصنه من المساءلة كما حصن طاغية تونس ..
هذا كله يفسر موقف الملك عبد الله، وإن كان لا يسوغه ..
ولكن هذا كله لا يفسر ولا يسوغ أبدا؛ إقراره سفك الدم الحرام وإعطاء الغطاء لما هو أشبه بحملة إبادة تستحل كل الموبقات من قتل وإهانة وسجن وتعذيب وهتك للأعراض واستهداف للنساء والأطفال ..
لا نرضى أن يسجل التاريخ أن هذا كله تم في عهد الملك عبد الله بن العزيز آل سعود.
ومرة أخرى أدعو مشايخنا وعلماءنا -وعلى رأسهم هيئة كبار العلماء برئاسة مفتي المملكة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ وفقه الله-؛ نطلب منهم ونترجاهم أن يبذلوا شفاعتهم لدى خادم الحرمين كي يتدخل ليوقف الحملة الإرهابية التي تستهدف الإخوان؛ لا نطلب دعمهم سياسيا، لكن على الأقل: حفظ كرامتهم وأعراضهم وأرواحهم، اسعوا لفك الأسير وتعويض أهالي القتلى ومواساة الجرحى:
أذكركم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “فكوا العاني وأجيبوا الداعي وأطعموا الجائع وعودوا المريض” (رواه البخاري)
العاني: أي: الأسير والسجين.
ومن ثبت تورطه في دم حرام فليحاكم بالعدل، ولا يبقى معلقا مهانا.
وأذكر سماحة المفتي بموقفه في خطبة عرفة، وتكراره كل عام حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كل المسلم على المسلم حرام ماله وعرضه ودمه، حسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم“. (رواه أبو داود وأصله في الصحيحين)
يا علماء: اشفعوا تؤجروا وتبرأ ذمتكم ..
وليتذكر الحكام والعلماء أن الله {أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (84) مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} [النساء: 84، 85]
وسوم :الأخلاق عين على السياسة
ننوه الى أن ما ننشره من مواد للسادة والسيدات العلماء والمفكرين والمثقفين والسياسيين، لا يلزم منه الاتفاق معهم في كل أفكارهم وآرائهم
Nous précisons que le contenu publié d'un tiers auteurs n'implique pas que nous sommes forcément d'accord avec l'ensemble de ses idées.
Designed by Khalil BI