أنشطة وأخبار

رسالة مفتوحة إلى الأستاذ رفيقي

تاريخ النشر : 16/02/2016

عدد المشاهدات : 6418


رسالة مفتوحة إلى الأستاذ رفيقي:

بِسْم الله الرحمن الرحيم

صاحب الفضيلة؛ الأخ المكرم الأستاذ المناضل؛ أبا حفص محمد عبد الوهاب رفيقي شمله الله برفقه وفضله وكرمه:

السلام عليك ورحمة الله وبركاته؛ وبعد فإنني أحمد إليك الله الذي لا إلاه إلا هو، وأصلي وأسلم على إمام الدعاة وسيد المصلحين نبينا محمد الذي قال له ربه: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} [الإسراء: 73 – 75]

وآله وصحبه ..

وأستسمحك في فتح رسالتي لعموم القرّاء والمهتمين لتضمنها ما يتعلق ببعض آراءك المعلنة ..

فأقول وبالله التوفيق:

1 أبو حفص؛ أخ عزيز أكبرت فيه ما رأيت منه من اجتهاد مشكور في مجالات العلم والدعوة والإصلاح، ونضال من أجل الحرية والكرامة ..

ومن أمارات حبي له؛ أنني فرحت فرحا شديدا بخبر إطلاق سراحه سنة 2012، وكنت في ذلك الحين أترأس اجتماعا وطنيا للتنسيقية المغربية لجمعيات دور القرآن؛ فاستأذنت الحضور وعجلت الاتصال به حرصا على أن أكون من أول المهنئين ..

وقبل ذلك كنت أتابع نشاطه مع إخوانه لرفع ما لحقهم من ظلم بسبب المواقف الاستئصالية؛ وكنت مع الإخوة في جريدة السبيل ندعمهم ونبذل الممكن لنصرة مطلبهم العادل ..

2 لم أكن مهتما بتتبع كل ما يبديه الأستاذ أبو حفص من آراء؛ غير أن بعض الإخوة كان ينقل لي عنه ما أستغرب صدوره منه؛ أستغربه بالنظر إلى المدرسة التي ينتمي إليها والقناعات التي كان يعبر عنها؛ وكان يبلغني عنه تراجع عن بعض تلك الأمور المستغربة وتأويلات وتسويغات ..

وقد التقيت به مرات معدودة؛ لم تتح فيها الفرصة لمناقشة تلك الآراء من باب التناصح الشرعي والحوار الفكري البناء ..

وزكّى هذا الموقف أنني أكره سلوك تتبع آراء الناس والحكم عليها وما يترتب على ذلك من تنازع وخصومة ..

3 ومع ذلك؛ لفت انتباهي بشكل كبير أن الأستاذ وفقه الله يتبنى ثلاثة مواقف غير سليمة في نظري:

الأول: نقل التشكيك في بعض الحقائق الشرعية المتعلقة بالقرآن العظيم والصحابة رضوان الله عليهم، وكذا النقد غير الرشيد لمحطات من التاريخ الإسلامي

الثاني: الترويج لمعنى غير محرر ولا منضبط لمفهوم الوسطية والاعتدال

الثالث: الانتساب إلى توجه يتبنى السلوك الاستئصالي المتطرف

4 أما الموقف الأول؛ فيصب -من حيث لا يشعر الأستاذ- في مقصد زعزعة القناعات الراسخة لأبناء الحركة الإسلامية، والتي تتمثل في مبادئ وقيم سامية لا يمكن التنازل عنها؛ الشيء الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى إضعاف المشروع الإصلاحي ذي المرجعية الإسلامية، وتقوية المشروع العلماني التغريبي ..

وفي الوقت الذي أومن فيه بأهمية “منهجية المراجعة والتصحيح والتطوير” التي تتبناها الحركات الإسلامية ..

فإنني أومن أن لتلك المنهجية حدودا تحول دون “التنازل عن المبادئ والقيم والخطوط العريضة” المؤطرة لتوجهها الإصلاحي.

وتلك الحدود هي الفارق الفاصل بين: “فضيلة الاجتهاد الإيجابي” و”انتكاسة التخلي عن المبدأ” والانصهار الذي يؤدي إلى تشكل جسم آخر قد يكون هو الجسم الذي يريده الخصم ..

فهذا يسمى: “مسخ الحركة الإسلامية” ولا يمكن وصفه بأنه “تطوير الحركة الإسلامية”.

ولا أظن الأستاذ أبا حفص يقبل بلعب دور من يهدم الحركة الإسلامية من الداخل وحاشاه؛ وهو أحد أبناءها الذين رضعوا لبن مبادئها السامية وتشبعوا بروح مقاصدها الجليلة؛ ورحم الله والده الكريم الشيخ أحمد الذي عرف بصلابته في التمسك بما يراه حقا بغض النظر عما نخالفه فيه ..

نعم لمراجعة المواقف التي تحتمل المراجعة، ونعم لتصحيح الأخطاء؛ لا سيما تلك المرتبطة بالعنف ونحوه من الآفات المرفوضة جملة وتفصيلا ..

لكن هذا لا يكون فضيلة إلا إذا رافقه ثبات على المواقف السليمة مهما عظمت الإكراهات وتعددت المغريات ..

5 أما الموقف الثاني؛ فأبدي لأخي أبي حفص عنه نصيحة جامعة:

وهي التحذير من الخلط بين:

“فقه التيسير ومقصد تحبيب التدين”؛ فهذا أمر محمود؛ وللأستاذ فيه أقوال مبرورة وأحوال مشكورة لا يسعني إلا تجديد التنويه بها لما لها من دور في مقاومة الغلو وترسيخ سلوك الوسطية والاعتدال.

لكن لا ينبغي الخلط بينها وبين:

“سلوك التسيب ومقصد تفريغ التدين من مضمونه”؛ ليبقى هيكلا عظميا لا يغذي روحا إيمانية ولا يثمر مواقف شرعية؛

وهذا ما أنزه عنه الأستاذ وأنصحه بعدم الوقوع في فخه الذي هو من خطوات الشيطان لتحريف الناس عن أحكام هذا الدين وآدابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 208، 209]

6 وأما الموقف الثالث؛ فإنني لا أملك أن أخفي استغرابي له وحيرتي في تأويله!

وإلا فكيف يستساغ من داعية مناضل أن ينتسب إلى توجه يعرف المغاربة جميعا أنه توجه استئصالي قائم على روح العداء والكراهية والاحتقار وسلوك الإقصاء ..

كيف نسيت ذاكرة أبي حفص أن هذا التوجه هو صاحب محنته وأصل بلاءه بالسجن بضع سنين؟!

أليس هذا التوجه هو من رسخ تجاوزات ملف 16 ماي وما ترتب عليها من مظالم اكتوى بنارها معتقلو ما يسمى: السلفية الجهادية؟؟

أليس هو من تبنى مشروع “الاستئصال السياسي الراديكالي” الموغل في التطرّف إلى درجة أنه جعل من أهدافه لعام 2012 برلمانا خاليا من حزب العدالة والتنمية؟؟

أليس هو من تبنى مخطط إغلاق أزيد من 70 من دور القرآن التابعة لجمعيات قانونية ذات أنشطة ثقافية وتنموية؟؟

كيف نسي الأستاذ رفيقي هذا كله ووضع يده في يد أحد زعماء ذلك التوجه الاستئصالي المتطرف؟؟!!!

مهما كان نفوذ السيد إلياس ومهما كانت ثروته؛ فإن المناضل الشريف لا ينتسب له ولا يخدم مشروعه إلا إن تراجع عن فكر الاستئصال القائم على كراهية المخالف واحتقاره ..

كيف والرجل لم يقدم أي عربون لشراء سلعة الاعتدال والانفتاح والإيمان الصادق بروح التوافق الوطني وما تتأسس عليه من احترام الآخر وحفظ حقه في الوطن!

بل يجدد العهد مع ذلك السلوك (الشوفيني)؛ ويردد بكل جرأة الكلمة التي قالها عام 2009: (حزبنا جاء لمحاربة أسلمة المجتمع المغربي)

وها هو يقول عام 2016: (حزبنا جاء لمحاربة الإسلاميين)!!

وهل ثمة معيار لقياس التطرّف الشوفيني؛ أدق من الثناء على خطوات الجنرال الإرهابي عبد الفتاح السيسي الذي استباح كل الحرمات الشرعية والإنسانية في سبيل استئصال خصومه من أبناء الحركة الإسلامية؟!

ومع ذلك يثني العماري على تجربته ويعتبرها رائدة في شمال إفريقيا!!

لم يعد خافيا على المهتمين أن هذا الحزب وضعه من وضعه لتبني المشاريع التي تستهدف ما بقي في هذا البلد من قيم ومبادئ إسلامية ..

وسوف يلعب أدوارا بئيسة في دعم مطالب: المساواة في الإرث وحرية المعتقد بالمفهوم العلماني وإلغاء تدريس آيات قرآنية ..؛ ونحو ذلك مما يروج له علمانيون متطرفون من أمثال: الأستاذة الرويسي والأستاذ عصيد الذي وجد في إلياس حليفا استراتيجيا يمكن لفكره المتطرف ..

وهو تحالف يذكرني بتحالف حسنين هيكل مع السيسي وغيره من زعماء الاستبداد في مصر؛ في الوقت الذي يعتبر هيكل نفسه من دعاة الديمقراطية في العالم العربي ..

إن هذا المشروع محكوم عليه بالفشل في نهاية المطاف؛ فإن الله تعالى لا يصلح عمل المفسدين؛ ولن يحارب أحد هذا الدين إلا غلبه؛ {والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون}.

والتاريخ أكبر شاهد: من أبي جهل إلى بورقيبة وغيرهما ممن حاول محو الإسلام من الذاكرة والواقع ..

فما أوهنه وأوهن قرنه الوعل ..

لكن المؤسف أن نجد من المغاربة من يقبل بخدمة هذا المشروع، متجاهلا أنه يفتح على المغرب باب شر يتسلل منه نموذج (هيكل والسيسي) الذي دمّر مصر بما يحمله من شحنات استئصالية عالية الضغط ..

يا أبا حفص لا تغرنك ثروات السيد إلياس، ولا يهولنك اتساع نفوذه؛ فإن ما عنده ينفذ وما عند الله باق ..

والحرة تجوع ولا تأكل بثديها .. والله هو الرزاق ذو القوة المتين ..

7 أما ما طلبت مني من السعي لإيقاف الهجوم عليك في موقع هوية بريس؛ فطلبك على الرأس والعين، ومنزلتك في نفسي تجعلني أعتبر طلباتك أوامر ..

لكن أحيطك علما بأنني وإن حظيت بشرف المشاركة في تأسيس هذا المنبر الإعلامي وإثرائه ..

وإن كنت محظوظا بصداقة مؤسس الشركة الإعلامية التي يتبع إليها الموقع: المفكر والكاتب الإسلامي الكبير أخي الأستاذ إبراهيم الطالب، ومن معه من المناضلين الشرفاء ..

غير أني لا أملك القدرة على التدخل في قرارات النشر ..

والدليل على ذلك؛ أنني شخصيا تعرضت لهجوم شرس من بعض الإخوة الغلاة، ولم أطالب بحذف مقالاتهم، واقتصرت على نصح الأستاذ الطالب بالحذر من الترويج للخطابات المتطرفة أيا كان أصحابها والمستهدفون بها.

وتبعا لذلك؛ أطلب من تحرير الجريدة أن يتوخى الإنصاف والأدب فيما ينشره من انتقادات موجهة للأستاذ رفيقي؛ فإن “الرفق ما كان في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه“؛ كما صح عن نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.

8 أما بعد؛ فيشهد الله يا أبا حفص أنني جردت لك النصيحة حرصا على تكميل فضائلك وتنبيهك لتفادي ما قد يشينها من مواقف غير شرعية وتوجهات غير مرضية ..

وقد كتبت هذه الورقة في هدوء السحر ودعوت الله لك في هذا الوقت قائلا: اللهم اهده واهد به وثبته على الحق قولا وفعلا

أسأل الله تعالى لنا جميعا الثبات والصدق وقول الحق في المنشط والمكره

كما أسأله سبحانه أن يجعلنا هداة مهتدين صالحين مصلحين غير ضالين ولا مضلين

اللهم وفقنا لفضيلة الاعتدال في غير تحريف، ومنقبة الوسطية في غير تعطيل ولا تصحيف

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

والسلام عليك ورحمة الله وبركاته

كتبه:

محبك

عبد ربه حمّاد القباج

مراكش / 7 جمادى الأولى 1437 هـ؛ الموافق: 16 فبراير 2016 

 

وسوم :

مواد ذات صلة

رسالة مفتوحة إلى الأستاذة أمينة بوعياش

تاريخ النشر : 29/06/2022

عدد المشاهدات : 854

بخور الفقه ونتانة العولمة

تاريخ النشر : 29/06/2022

عدد المشاهدات : 779

لماذا نحب الملك محمدا السادس؟

تاريخ النشر : 29/06/2022

عدد المشاهدات : 755

كلمة حول مقتل السيدة شيرين أبو عاقلة

تاريخ النشر : 29/06/2022

عدد المشاهدات : 662

فيلم الإخوان والمتاجرة بآلام المغاربة

تاريخ النشر : 29/06/2022

عدد المشاهدات : 624

الدعوة بالقرآن في رمضان

تاريخ النشر : 21/04/2021

عدد المشاهدات : 989

'