تاريخ النشر : 13/05/2021
عدد المشاهدات : 2558
بقلم: حمّاد القباج
العنوان أعلاه هو عنوان كتابي الذي سيصدر قريبا بحول الله تعالى عن “مركز بلعربي العلوي للدراسات التاريخية والاجتماعية” ..
وفي هذه المقالة المطولة؛ أقدم لقرائي الكرام مختصرا معتصرا من أحد فصول الكتاب:
لقد تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخبر عن طائفة من المسلمين؛ ستكون لها أفضلية ومميزات على سائر أهل الإسلام، وسيستمر وجودها طيلة تاريخ الأمة الإسلامية.
وقد شاع بين العلماء تسميتها ب: الطائفة المنصورة.
وفيما يلي بعض الأحاديث النبوية التي جمعت الأوصاف المُعَرِّفة بتلك الطائفة:
عن معاوية قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، ما يضرهم من كذبهم ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك».
فقال مالك بن يخامر: سمعت معاذا، يقول: “وهم بالشام”. [متفق عليه]
وعن جابر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة».
قال: “فينزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم، فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء؛ تكرمة الله هذه الأمة“. رواه مسلم
وعن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك“.
قالوا: يا رسول الله؛ وأين هم؟
قال: “ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس“.
رواه عبد الله بن الإمام أحمد في المسند (5 / 269).
وأخرجه الطبراني في “الكبير” (7643)، وفي “الشاميين” (860).
قال في “المجمع” (7 / 288): “رواه عبد الله وجادة عن خط أبيه، والطبراني، ورجاله ثقات”.
قلت: ورواه الخطيب المقدسي بسنده إلى أبي أمامة الباهلي[1].
وله شاهد من حديث أبي هريرة:
أخرجه أبو يعلى (6417)، والطبراني في “الأوسط” (47)، وابن عدي في “الكامل” 7/2545، والقاضي عبد الجبار الخولاني في “تاريخ داريا” ص 60، وتمام الرازي في “فوائده” (1551)، وابن عساكر في “تاريخه” 1/ورقة 114-115 و115.
وأخرجه ابن عساكر 1/116 وجادة من طريق الهيثم بن حميد، عن يزيد الحميري، عن أبي هريرة مرفوعاً.
وللحديث شاهد آخر من رواية كعب بن مرة البهزي؛ رواه الفسوي في المعرفة والتاريخ (2/ 298).
صفات أهل الطائفة المنصورة:
من خلال الأحاديث المتقدمة وغيرها؛ نستخلص أن هذه الجماعة من المؤمنين التي نوه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ تتصف بما يلي:
1 أنها طائفة:
وكل جماعة تحف بشيء؛ تطلق عليها العرب: طائفة، ولا تكاد تحدها بعدد معلوم.
وتنكير كلمة “طائفة” في الحديث قد يقصد منه: التقليل والتعظيم؛ فهم قليلون في العدد مقارنة بعدد المسلمين، وهم عظيمو القدر وفيرو الفضل؛ وبتعبير آخر: هم قليلون من حيث الكم، لكن قدرهم كبير بسبب جودة أفعالهم ومواقفهم[2].
وجاء في رواية عقبة بن عامر للحديث استعمال وصف: “عصابة” مكان: “طائفة“.
واشتقاق كلمة “عصابة” هو من الشيء العصيب؛ أي: الشديد[3].
فهي على هذا الوصف: جماعة من الناس اجتمعت على شيء شديد وشاق وصعب؛ كالرباط في مواجهة عدوان عدو إرهابي؛ كما هو حال أهل غزة مع العدو الصهيوني.
2 يقاتلون على الحق:
وقد جاء هذا الوصف لهذه الطائفة في أكثر الأحاديث؛ مما يؤكد أنه من أهم الأوصاف التي استحقت بها التنويه النبوي؛ كون أفرادها يغامرون بأرواحهم دفاعا عن حقهم.
ومعنى: “يقاتلون على الحق“؛ أي: “على تحصيله وإظهاره”؛ كما قال الشيخ القاري في المرقاة (6/ 2474).
فهم يقاتلون لبيان أنهم أصحاب حق، ولتحصيل ونيل ذلك الحق.
والحق هنا يشمل: الدين والعرض والمال والأرض؛ فكل هذه الأربعة من الحق الذي شُرِع للإنسان الدفاع عنه؛ ولو اقتضى ذلك الدفاعُ القتالَ، ولو أدى القتال إلى الموت.
كما قال صلى الله عليه وسلم: “من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد“[4].
وصح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟
قال: “فلا تعطه مالك“.
قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: “قاتله“، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: “فأنت شهيد“.
قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: “هو في النار“[5].
وفي حديث عقبة: “يقاتلون على أمر الله“؛ وهو شامل لكل ما أمر الله تعالى به من العدل وأداء الأمانات (الحقوق) لأصحابها ..
إن وصف “يقاتلون“؛ يشير إلى أن رأي العلماء الذين فسروا هذه الطائفة بأنهم أهل الحديث؛ رأي مقيد وليس على إطلاقه؛ وأن هذا التفسير ينبغي أن يحمل على رجال الحديث الذين رحلوا لجمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا في كثير من الأحيان يشاركون في الرباط على الثغور؛ لا سيما الشامية منها.
فهؤلاء: من أفضل أهل هذه الطائفة، كما أن من أفضلهم: الزهاد العباد، والحكام العادلون.
فكل مسلم يرابط في ثغر من ثغور بلاد الشام مقاتلا على الحق؛ يمكن أن يدخل في هذا التنويه النبوي.
وأهل الحديث من الأولين في ذلك؛ لجمعهم بين مشقة السفر لسماع الحديث، ومشقة ضبطه وحفظه، ومشقة روايته ونقله، ومشقة المشاركة في الرباط.
قال الخطابي في معالم السنن (2/ 236): “وقوله “ناوأهم” يريد ناهضهم للقتال؛ وأصله من ناء ينوء إذا نهض، والمناوأة مهموزة مفاعلة منه”.
قال في المرقاة (6/ 2474): “(على من ناوأهم): قال التوربشتي: أي: غالبين على من عاداهم، والمناوأة المعاداة، والأصل فيه الهمز؛ لأنه من النوء وهو النهوض، وربما يترك همزه، وإنما استعمل ذلك في المعاداة؛ لأن كل واحد من المتعاديين ينهض إلى قتال صاحبه”.
وفي شرح مسلم، هو بهمزة بعد الواو، وهو مأخوذ من ناء إليهم وناءوا إليه؛ أي: نهضوا للقتال.
وفى النهاية: “النواء والمناواة: المعاداة”.
وفي القاموس: “ناء نهض بجهد ومشقة”.
وأهل غزة اليوم يتعرضون باستمرار لمناوأة عدوهم، ويتصدى له رجال الجهاد والمقاومة بكل أنواع القتال المتاحة لهم، وعامة أهل غزة يقاتلون معنويا بدعم المقاومة وتشجيع أبطالها، وتُقَدّم النساء أولادها شهداء وأسرى ومعطوبين، ويصبرن على مرارة ذلك ..
3 ظاهرين:
أكثر الأحاديث فيها وصف “ظاهرين”، وجاء في بعضها وصف: “منصورين”.
كما تقدم عن قرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة“.
من هنا قال الشيخ علي القاري في تفسير “ظاهرين”: “أي: غالبين منصورين، أو معروفين مشهورين”[6].
فالظهور يعني: ظهور حجتهم بأنهم أصحاب حق، ويعني: انتصار حقهم في نهاية المطاف على الظلم والعدوان.
قال في عمدة القاري شرح صحيح البخاري (25/ 141):
“قَوْله: ظَاهِرين أَي: غَالِبين على سَائِر النَّاس بالبرهان، أَو بِالسِّنَانِ (أي: السيف)”.
وفي ضوء هذا نفهم وصفهم في حديثَيْ عقبة وأبي أمامة بأنهم: “قاهرين لعدوّهم“.
فالنصر والقهر هنا باعتبار العاقبة، أو باعتبار ظهور حجتهم وأنهم أصحاب حق؛ ولا يلزم أنهم سينتصرون في كل معركة يخوضونها.
وسواء تحدثنا عن “معركة القتال في الميدان” أو “معركة الوعي والاعتراف بالحق”؛ فالعاقبة لهم.
قال السندي: “قوله: (منصورين) أي بالحجج والبراهين، أو بالسيوف والأسنة”[7].
وهذا حال أهل غزة اليوم: حقهم ظاهر مع كل جهود التضليل وقلب الحقائق، وسينتصرون في نهاية المطاف لأنهم أصحاب حق مظلومون.
4 يصيبهم العدو باللأواء ويخذلهم المسلمون ومع ذلك لا يتنازلون عن حقهم:
في رواية أبي أمامة وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل هذه الطائفة بأنهم: “لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء“.
واللأواء كما قال ابن الأثير هي: “الشدة وضيق المعيشة”[8].
فعدوهم سيضرهم بما يُلحق بهم من شدة تسببها الجروح الحسية والمعنوية؛ ومنها: آلام فقد الأحباب وإرهاب الأسلحة، وسيضرهم بضيق المعيشة الذي قد يصل إلى درجة: الحصار الخانق؛ كما هو شأن أهل غزة اليوم.
ومع هذا كله لن يضرهم بجعلهم يتراجعون عن حقهم؛ ويتنازلون عن هويتهم وعرضهم وأرضهم.
قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه اللَّه: “يعني النبي صلى اللَّه عليه وسلم باللأواء: الشدة؛ إما في المعيشة من جدب وقحط، أو حصار، وإما في الأبدان من الأمراض والعلل، أو الجراح، يقال من ذلك: أصابتِ القومَ لأواءٌ”[9].
فقوله عليه السلام في هذه الأحاديث: “لا يضرهم“: يشمل معنى: لا يضر ثباتهم على الحق.
كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة أنهم سيتعرضون للخذلان من طرف المسلمين؛ ومع ذلك لن يضرهم هذا ويجعلهم يتنازلون عن حقهم.
قال الشيخ محمد ابن آدم الإثيوبي: “(لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلهُمْ)؛ أي ترك نُصرتهم، وإعانتهم.
يقال: خذلته، إذا تركت نصرته، وإعانته، وتأخّرت عنه.
والاسم: الخذلان.
وخذّلته بالتشديد تخذيلًا: حملته على الفشل، وترك القتال”[10].
وهذا التخذيل هو ما تفعله اليوم الأنظمة الوظيفية التي تحث المقاومة الفلسطينية على ترك السلاح والاستسلام للعدو؛ بل بلغ تخذيلها درجة الخيانة والتواطأ مع العدو الذي يصيب إخوانهم باللأواء؛ كما وقع في غزة حسبما تقدم شرحه …
5 هم بالشام:
وهو وصف تكرر في عدد من الأحاديث؛ ولذلك قال الطيبي: “تنزيل أمثال هذا الحديث على الطائفة المنصورة من أهل الشام أولى وأحرى”[11].
وقال أيضا: “المراد منها: الفئة المرابطة بثغور الشام”[12].
قال ابن تيمية: “والنبي صلى الله عليه وسلم ميز أهل الشام بالقيام بأمر الله دائما إلى آخر الدهر، وبأن الطائفة المنصورة فيهم إلى آخر الدهر؛ فهو إخبار عن أمر دائم مستمر فيهم مع الكثرة والقوة.
وهذا الوصف ليس لغير الشام من أرض الإسلام؛ فإن الحجاز التي هي أصل الإيمان؛ نقص في آخر الزمان منها: العلم والإيمان والنصر والجهاد، وكذلك اليمن والعراق والمشرق.
وأما الشام فلم يزل فيها العلم والإيمان، ومن يقاتل عليه منصورا مؤيدا في كل وقت؛ والله أعلم”[13].
ولهذا السبب؛ كان العلماء يسافرون للرباط بالثغور الشامية؛ كما سبق عن الأوزاعي وأبي إسحاق الفزاري ومخلد بن الحسين وإبراهيم بن أدهم وعبد الله بن المبارك وحذيفة المرعشي ويوسف بن أسباط وغيرهم …
ومنهم من كان يجيء من خراسان والعراق وغيرهما للرباط في ثغور الشام.
نفهم من هذا الوصف إذن؛ بأن الشام سيبقى في ثغوره أو في بعضها دائما من يقوم بما أمر الله تعالى به من القتال على الحق الذي هو الدين والعرض والأرض.
6 أنهم ببيت المقدس أو بأكنافه:
وهو تأكيد وتخصيص للوصف السابق؛ وكأن المعنى أنهم سيكونون طيلة تاريخ الأمة في عدد من ثغور الشام، وأهم تلك الثغور: تلك التي ترابط دفاعا عن المسجد الأقصى.
قال ابن بطال: “وصفة الطائفة التي على الحق مقيمة إلى قيام الساعة: أنها ببيت المقدس دون سائر البقاع”[14].
قال ابن تيمية: “وقد جاء في حديث آخر في صفة الطائفة المنصورة أنهم بأكناف البيت المقدس، وهذه الطائفة هي التي بأكناف البيت المقدس اليوم”[15].
وكنف الشيء؛ هو ناحيته:
قال ابن دُرُسْتَوَيْه (المتوفى: 347هـ): “يقال منه: كنت في كنف فلان؛ أي في ناحيته، … وَكَنَفْت الرجل: حُطْتُهُ، ومنه: الغنم وغيرها إذا جعل لها حظيرة لتحفظ فيها وتحرس، وهي في ناحية من المكان؛ فلذلك يقال: كنفتها أكنفها”[16].
فغزة في ناحية بيت المقدس، وهي ومثلها من المدن تحيط به وتحوطه.
أقوال العلماء في تحديد هذه الطائفة:
قام العلماء في عدد من المناسبات التاريخية بتحديد الطائفة المنوه بها في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وتعيين كونها الجماعة من الناس التي ترابط في وجه جيوش تعتدي على أرض المسلمين في بعض بلاد الشام؛ وأبرز تلك المناسبات:
1 رباط طوائف من المسلمين على ثغور الشام في مواجهة الحملات الصليبية
2 رباط طوائف من المسلمين على ثغور الشام في مواجهة غزو التتار
وفيما يلي نماذج من ذلك:
1 شيخ الإسلام ابن تيمية والطائفة المنصورة من الدولة الأيوبية التي واجهت الصليبيين والتتار واسترجعت بيت المقدس ……..
تابع هذا الفصل الشيق في كتاب: “رباط غزة على ثغر الأقصى”.
[1] فضائل القدس (ص: 93) لابن الجوزي.
[2] انظر: مقاييس اللغة (3/ 432).
[3] انظر: كتاب العين (1/ 309).
[4] أخرجه أحمد (1652) و(1653) والترمذي (2/ 316) وصححه، عن سعيد بن زيد مرفوعا.
[5] أخرجه مسلم.
[6] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (6/ 2474).
[7] حاشية السندي على سنن ابن ماجه (1/ 7).
[8] النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 221).
[9] تهذيب الآثار مسند علي، محمد بن جرير الطبري، تحقيق: محمود شاكر، القاهرة: مطبعة المدني، ط 1، د. ت، 2/ 835.
[10] مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه (1/ 120)
[11] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (6/ 2474).
[12] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (9/ 4052).
[13] مجموع الفتاوى (4/ 449).
[14] شرح صحيح البخارى(10/ 60).
[15] الفتاوى الكبرى لابن تيمية (3/ 549).
[16] انظر: تصحيح الفصيح وشرحه (ص: 151)، وإصلاح المنطق (ص: 55) لابن السكيت.
ننوه الى أن ما ننشره من مواد للسادة والسيدات العلماء والمفكرين والمثقفين والسياسيين، لا يلزم منه الاتفاق معهم في كل أفكارهم وآرائهم
Nous précisons que le contenu publié d'un tiers auteurs n'implique pas que nous sommes forcément d'accord avec l'ensemble de ses idées.
Designed by Khalil BI