تاريخ النشر : 12/01/2016
عدد المشاهدات : 2812
جاري البودشيشي ..
(قصتي مع الطريقة البودشيشية)
الحلقة الرابعة
بقلم: حمّاد القباج
رياض الصالحين والعلم النافع:
بعد أن تحسنت نفسيتي بسبب المعاني الروحية التي تشبعت بها طيلة سنة 1994؛ والتي ابتدأها الصوفية، وهذبها وصحح أخطاءها شيخ الإسلام ابن تيمية رحم الله الجميع؛
قررت الرجوع إلى الدراسة؛ فتسجلت في الموسم الدراسي (1994-1995).
وفي ثانوية أبي العباس السبتي التقيت بأخ عزيز غالي (الأستاذ جعفر بوهلال)؛ فتعارفنا وسألني عن الكتب التي أقرأ؛ فقلت له: قرأت الفتاوى الكبرى ..
فتعجب!
وقال لي: أنت أحمق!! الكتاب صعب عليك
قلت له: وماذا أقرأ؟؟
فقال: رياض الصالحين ..
وكان في محفظته كناش صغير يكتب فيه ثلاثة أحاديث كل يوم ويحفظها؛ فبدأ يكتب لي ثلاثة أحاديث أحفظها وأستظهرها عليه، ثم يكتب لي ثلاثة وهكذا ..
فتشوفت للكتاب كله واستعرته منه فأغرمت به واشتريت نسختي ..
فلما رآها عاتبني، وقال: كان عليك أن تشتري النسخة التي طبعت بتحقيق الشيخ الألباني؛ كي تعرف الضعيف –وهو قليل جدا- لاجتناب حفظه ..
فأعارني نسخته مرة أخرى؛ وقال لي: انقل منها أحكام الشيخ الألباني ..
وكذلك فعلت ..، وقد وجدت من اللذة والحلاوة ما الله به عليم ..
إن الارتباط بكتاب رياض الصالحين؛ هو ارتباط نافع ممنهج بالكتاب والسنة؛ حيث انتقى فيه الإمام النووي رحمه الله بدقة: آيات وأحاديث في كل أبواب الاستقامة؛ مع توخي الثبوت وشرح الألفاظ الغريبة وحسن الترتيب؛ ما يجعل منه زادا مهما لطالب الاستقامة ..
وقد فتح الله للإمام في هذا التأليف؛ الذي هو بحق مرشد أتباع الطريقة المحمدية التي هي الطريق الوحيد إلى الله تبارك وتعالى.
ومن هنا كان العلماء يرشدون طلبة العلم إليه؛ كما قال الإمام الذهبي في آخر ترجمة الإمام الغزالي؛ وهو يتحدث عن كتاب الإحياء:
“وفيه خير كثير لولا ما فيه من آداب ورسوم وزهد من طرائق الحكماء ومنحرفي الصوفية، نسأل الله علما نافعا.
تدري ما العلم النافع؟
هو ما نزل به القرآن، وفسره الرسول صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا، ولم يأت نهي عنه، قال عليه الصلاة والسلام: “من رغب عن سنتي فليس مني“؛
فعليك يا أخي بتدبر كتاب الله، وبإدمان النظر في (الصحيحين) و(سنن النسائي)،
و(رياض النواوي) وأذكاره؛ تفلح وتنجح.
وإياك وآراء عباد الفلاسفة، ووظائف أهل الرياضات، وجوع الرهبان، وخطاب طيش رؤوس أصحاب الخلوات،
فكل الخير في متابعة الحنيفية السمحة، فواغوثاه بالله، اللهم اهدنا إلى صراطك المستقيم”اهـ. من سير أعلام النبلاء (19/ 339).
طلب العلم أول الطريق:
إن طلب العلم هو أول الطريق لمن طلب الاستقامة وتطلب السير على صراط الله المستقيم ..
ولا تصح استقامة ولا حال ولا معرفة بلا علم بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
فالحال تابع للعلم مقيد به مرتبط لا ينفك.
خلافا للصوفية الذين جعلوه مرادفا له، بل فضلوه على العلم، وظنوا أنه يمكن أن يكون مستقلا؛ بل زعموا بأن العارف بالله خير من العالم بدين الله بناء على ذلك التفريق الخاطئ بين العلم والحال ..
قال الإمام ابن القيم في تصحيح هذا الخطأ، وتأكيد أن العلم شرط في السلوك:
“ومن منازل {إياك نعبد وإياك نستعين}: منزلة العلم.
وهذه المنزلة إن لم تصحب السالك من أول قدم يضعه في الطريق إلى آخر قدم ينتهي إليه: فسلوكه على غير طريق.
وهو مقطوع عليه طريق الوصول، مسدود عليه سبل الهدى والفلاح، مغلقة عنه أبوابها. وهذا إجماع من الشيوخ العارفين.
ولم ينه عن العلم إلا قطاع الطريق منهم، ونواب إبليس وشرطه.
قال سيد الطائفة وشيخهم الجنيد بن محمد رحمه الله:
“الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى آثار الرسول صلى الله عليه وسلم“.
وقال: “من لم يحفظ القرآن ويكتب الحديث، لا يقتدى به في هذا الأمر، لأن علمنا مقيد بالكتاب والسنة” ..
وقال أحمد بن أبي الحواري رحمه الله: “من عمل عملا بلا اتباع سنة، فباطل عمله“.
وقال أبو عثمان النيسابوري رحمه الله:
“الصحبة مع الله: بحسن الأدب، ودوام الهيبة والمراقبة، والصحبة مع الرسول صلى الله عليه وسلم: باتباع سنته، ولزوم ظاهر العلم. ومع أولياء الله: بالاحترام والخدمة. ومع الأهل: بحسن الخلق. ومع الإخوان: بدوام البشر. ما لم يكن إثما. ومع الجهال: بالدعاء لهم والرحمة“.
بين العلم والحال:
وقال أبو الحسين النوري: “من رأيتموه يدعي مع الله عز وجل حالة تخرجه عن حد العلم الشرعي فلا تقربوا منه“.
وقال أبو يعقوب النهرجوري: “أفضل الأحوال: ما قارن العلم“.
وقال أبو عمرو بن نجيد: “كل حال لا يكون عن نتيجة علم؛ فإن ضرره على صاحبه أكثر من نفعه“.
قال ابن القيم:
“وأما الكلمات التي تروى عن بعضهم من التزهيد في العلم، والاستغناء عنه؛ كقول من قال: نحن نأخذ علمنا من الحي الذي لا يموت، وأنتم تأخذونه من حي يموت.
وقول الآخر – وقد قيل له: ألا ترحل حتى تسمع من عبد الرزاق – فقال: ما يصنع بالسماع من عبد الرزاق، من يسمع من الخلاق؟
.. ونحو هذا من الكلمات التي أحسن أحوال قائلها: أن يكون جاهلا يعذر بجهله، أو شاطحا معترفا بشطحه، وإلا فلولا عبد الرزاق وأمثاله، ولولا أخبرنا وحدثنا لما وصل إلى هذا وأمثاله شيء من الإسلام.
ومن أحالك على غير أخبرنا وحدثنا فقد أحالك: إما على خيال صوفي، أو قياس فلسفي، أو رأي نفسي.
فليس بعد القرآن وأخبرنا وحدثنا إلا شبهات المتكلمين، وآراء المنحرفين، وخيالات المتصوفين، وقياس المتفلسفين.
ومن فارق الدليل، ضل عن سواء السبيل.
ولا دليل إلى الله والجنة، سوى الكتاب والسنة.
وكل طريق لم يصحبها دليل القرآن والسنة فهي من طرق الجحيم، والشيطان الرجيم.
والعلم ما قام عليه الدليل.
والنافع منه: ما جاء به الرسول.
والعلم خير من الحال: العلم حاكم والحال محكوم عليه، والعلم هاد والحال تابع، والعلم آمر ناه والحال منفذ قابل.
والحال سيف، إن لم يصحبه العلم فهو مخراق في يد لاعب.
الحال مركب لا يجارى. فإن لم يصحبه علم ألقى صاحبه في المهالك والمتالف.
والحال كالمال يؤتاه البر والفاجر؛ فإن لم يصحبه نور العلم كان وبالا على صاحبه.
الحال بلا علم كالسلطان الذي لا يزعه عن سطوته وازع.
الحال بلا علم كالنار التي لا سائس لها.
نفع الحال لا يتعدى صاحبه، ونفع العلم كالغيث يقع على الظراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر.
دائرة العلم تسع الدنيا والآخرة، ودائرة الحال تضيق عن غير صاحبه؛ وربما ضاقت عنه.
العلم هاد والحال الصحيح مهتد به.
وهو تركة الأنبياء وتراثهم، وأهله عصبتهم ووراثهم، وهو حياة القلوب، ونور البصائر، وشفاء الصدور، ورياض العقول، ولذة الأرواح، وأنس المستوحشين، ودليل المتحيرين، وهو الميزان الذي به توزن الأقوال والأعمال والأحوال.
وهو الحاكم المفرق بين الشك واليقين، والغي والرشاد، والهدى والضلال.
به يعرف الله ويعبد، ويذكر ويوحد، ويحمد ويمجد.
وبه اهتدى إليه السالكون، ومن طريقه وصل إليه الواصلون، ومن بابه دخل عليه القاصدون.
به تعرف الشرائع والأحكام، ويتميز الحلال من الحرام.
وبه توصل الأرحام وبه تعرف مراضي الحبيب، وبمعرفتها ومتابعتها يوصل إليه من قريب.
وهو إمام، والعمل مأموم. وهو قائد، والعمل تابع. وهو الصاحب في الغربة والمحدث في الخلوة، والأنيس في الوحشة. والكاشف عن الشبهة. والغنى الذي لا فقر على من ظفر بكنزه. والكنف الذي لا ضيعة على من آوى إلى حرزه.
مذاكرته تسبيح. والبحث عنه جهاد. وطلبه قربة. وبذله صدقة. ومدارسته تعدل بالصيام والقيام. والحاجة إليه أعظم منها إلى الشراب والطعام”[1].
يتبع بحول الله تعالى ..
[1] مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (2/ 434 فما بعدها).
ننوه الى أن ما ننشره من مواد للسادة والسيدات العلماء والمفكرين والمثقفين والسياسيين، لا يلزم منه الاتفاق معهم في كل أفكارهم وآرائهم
Nous précisons que le contenu publié d'un tiers auteurs n'implique pas que nous sommes forcément d'accord avec l'ensemble de ses idées.
Designed by Khalil BI