تاريخ النشر : 26/12/2015
عدد المشاهدات : 3796
جاري البودشيشي 1
(قصتي مع الطريقة البودشيشية ..)
بقلم: حمّاد القباج
سمعت بالطريقة البودشيشية سنة 1994 على يد جاري السيد (عبد الكبير م)؛ الذي كان يزورني -جزاه الله خيرا- بعد خروجي من المستشفى الذي مكثت فيه أياما طويلة بسبب حادث خطير أصبت به في رحلة مدرسية ..
حدثني جاري كثيرا عن الطريقة وشيخها المبارك سيدي حمزة بن العباس وفقه الله تعالى، ورغبني في زيارته وبشرني أنه سيكون في الزيارة من البركات ما يمكن أن يصل إلى حد أن أُشفى من الشلل الرباعي الذي أعاني منه، والذي أصبت به عام 1993 على إثر الحادث المذكور ..
وقد استفاض جاري في وصف بركات الشيخ وتعداد كراماته التي تزرع في النفوس محبته وتعظيمه والشوق للقاءه؛ وصادف ذلك تعلقا شديدا في نفسي لاسترجاع حركة أطرافي والوقوف مرة أخرى على رجلي لأستكمل دراستي وأحقق أمنيتي بالعمل ربان طائرة ماهر يكثر السفر والتنقل بين دول العالم ..
وكانت هذه الرغبة ملحة، ولم أكن أتصور أن الحياة قد تطيب دون تحقيقها!
وَمِمَّا كان يعمق تعلقي بهذه المهنة؛ إعجابي بقريبي السيد محمد القباج رحمه الله الذي أنقذ طائرة الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله بحسن تصرفه ومهارة قيادته لما تعرضت طائرة الملك لمحاولة إسقاط عند عودته إلى المغرب من زيارة خاصة إلى فرنسا وإسبانيا في السادس عشر من غشت عام 1972؛ حيث تعرض الملك لمحاولة انقلاب تورط فيها الجنرال أوفقير الذي أرسل طائرات حربية لضرب طائرة البوينغ (727) الملكية وإسقاطها في عرض البحر المتوسط ..
كان السيد محمد القباج قائدا في الطيران العسكري، ثم استقال ومارس الطيران المدني، واختاره الحسن الثاني ليعمل قائدا لطائرته ..
وكنت أنتشي وأنا أسمع أسرتي تحكي قصته في إنقاذ طائرة الملك؛ وكيف اتخذ الربان قرارات مغامرة للنزول بالطائرة بأمان، مع أنها كانت مصابة بعدة طلقات ألحقت بها أعطابا يصعب معها التحليق ..
كما زاد من تعلقي بتلك المهنة أن قريبا آخر؛ وهو السيد فريد الغزواني ابن خالتي السيدة آنسة القباج؛ كان يمارس المهنة وأنا في نهاية المرحلة الإعدادية ..؛ فكان يوجهني إلى المواد التي ينبغي أن أتقن لأصير طيارا ماهرا؛ ووعدني أنني إذا حصلت على معدل معين في الأولى ثانوي سيأخذني معه في أحد أسفاره ويستضيفني في قمرة القيادة أثناء السفر ..
كانت سنة 1993 (الأولى ثانوي) سنة مهمة بالنسبة لي؛ ولجت فيها إلى الدراسة الثانوية بمعدل جيد في السنة الرابعة إعدادي يخولني أن أدرس بعد ذلك في شعبة العلوم الرياضية (sciences maths) ..
ركزت جهدي في الدراسة وحصلت على الرتبة الأولى بمعدل جيد جدا في الدورة الأولى، وكانت نتائج مادتي الفيزياء والرياضيات ممتازة ..
هنا يكشف القدر عن مفاجأة بدت للجميع غير سارة؛ حيث تعرضت في أبريل من تلك السنة؛ للحادث الذي أقعدني عن الحركة، وأصابني بصدمة شديدة ..
وبعد انكشاف غبار زوبعة الحدث؛ وجدت نفسي مقعدا عاجزا عن التحرك؛ ولم أجد بدا من اللجوء إلى فسحة الأمل، ولسان حالي يردد:
ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل ..
وكان التعرف على الطريقة البودشيشية من المتنفسات التي استنشقت منها جرعات من الأمل بأنني سأشفى وأعود لاستكمال مشواري الذي خططته لنفسي ..
قرأت عددا من الكتب الصوفية في الأذكار والفكر الصوفي؛ من أهمها كتاب دلائل الخيرات للشيخ الجزولي رحمه الله وكتاب فصوص الحكم لابن عربي ..
وحافظت على الأوراد كما حفظتها من الكتب المشار إليها ..
وحضرت بعض مجالس (الذكر)! التي كان ينظمها جاري في بيته بانتظام ..
وكنت أتعاون أنا وابنته كوثر على طبع وتوزيع أوراد الأذكار التي كنّا نتلقاها ..
ومن فضل الله علي؛ أن خالتي أهدتني المصحف الشريف وبهامشه تعليقات الجلالين؛ وقرأته ولم أفهم جيدا أكثر ما فيه؛ إلا مواطن منها: تفسير آية لا يزال يمثل لي زادا في الحياة؛ ألا وهو تفسير قول الله تعالى في سورة التغابن: {ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه}
قال الجلال في تفسيرها:
“لا يصيب العبد مصيبة إلا بقضاء الله وقدره {ومن يؤمن بالله} أي: يرضى بقضاء الله {يهد قلبه} أي: لتحملها والصبر عليها”.
وهنا بدأت نفسي تتعلق بمعنى شرعي جليل؛ ألا وهو الرضا بقدر الله وأن مصيبتي قد تكون أفضل لي مما كنت أطمح إليه ..
كان الأمر صعبا جدا؛ كيف أرضى أن أتحول من شاب وسيم المحيا مفتول العضلات ناجح في دراستي أنال إعجاب الأساتذة والتلاميذ والتلميذات!
إلى مقعد مشلول يحسن إلي الناس وأتنقل بين المستشفيات؛ طموحي أن أبقى حيّا فقط، وأتحرك على كرسي بدل أن أحلق في جو السماء ..
كدت أجنّ؛ ولم يكن شيء يهون علي أكثر من معنى تلك الآية الكريمة الذي نقش في قلبي، وجعلني أفكر: ربما هناك حياة يمكن أن أعيشها أفضل من الحياة التي أكون فيها ربان طائرة أجول العالم ويحترمني الناس، وأكون بطلا كما كان ابن العم السيد محمد القباج رحمه الله ..
ومما كان يخفف علي أيضا حدة حالتي النفسية المتدهورة؛ استحضار لقاء الشيخ الذي كنت أعلق عليه آمالا كبيرة؛ لا سيما أنه يأتيه المريدون من كل المدن ومن كل أنحاء العالم بالآلاف ويرجعون إلى دولهم وقد تحققت آمالهم ..
وهكذا عشت سنة 1994 سنة صوفية بامتياز، وكنت متشوقا للحج! إلى بلدة مداغ بإقليم بركان، وحضور الموسم الذي طالما حدثني عنه جاري؛ ذاك الرجل الطيب الكريم الذي اشتد عطفه علي ولم يجد ما يواسني به أفضل من إرشادي إلى الطريقة، وحثي على المواظبة على الذكر ليخفف عني وطأة الشعور بالفشل وخيبة الأمل ..
وكان وعدني بتحمل مصاريف الرحلة، وتوظيب إجراءات تنقلي، وطلب من عدد من الإخوة أتباع الطريقة؛ الاستعداد لمساعدتنا؛ جزاه الله عن نيته الطيبة خيرا ..
ويقترب الموعد، ويزداد الشوق المصحوب بالترقب والخوف الذين تحدثهما هيبة الشيخ التي استولت على نفسي من شدة ما أسمع من كراماته وبركاته ..
يتبع بحول الله ..
وسوم :البودشيشية الصوفية مقال
ننوه الى أن ما ننشره من مواد للسادة والسيدات العلماء والمفكرين والمثقفين والسياسيين، لا يلزم منه الاتفاق معهم في كل أفكارهم وآرائهم
Nous précisons que le contenu publié d'un tiers auteurs n'implique pas que nous sommes forcément d'accord avec l'ensemble de ses idées.
Designed by Khalil BI