تاريخ النشر : 5/04/2015
عدد المشاهدات : 753
مع ما بذل من مجهودات في سياق ما عرف بالميثاق الوطني للتربية والتكوين، وانتهاء عشرية إصلاح المنظومة التعليمية (2000/2013)..
ومع محاولة تدارك الفشل بإطلاق مبادرة المخطط الاستعجالي؛ فإن الواقع التعليمي والتربوي لا يزداد إلا تدهورا وبعدا عن الأهداف التي رسمت له فجر الاستقلال (تعميم التعليم، تجويد التعليم، تعريب التعليم، مغربة الأطر).
لقد اتفق ضيوف الأستاذ جامع كولحسن في حلقة أمس من برنامج “مباشرة معكم”؛ على تأكيد هذه الحقيقة؛ وافتتحت الحلقة بالإشارة إلى تصريح وزير التربية الوطنية؛ الذي وضح فيه أن 76% من تلاميذ التعليم الابتدائي العمومي لا يتقنون القراءة والكتابة!!!
مما يعني أن خط المستوى في تنازل حاد، وأن الجيل المتقدم كان أحسن حالا بكثير!
إن المؤشر المذكور ومثله؛ اضطر الوزارة الوصية إلى الاعتراف بالفشل، وتأكيد أن ثلاثة عشر عاما من محاولات الإصلاح باءت بالفشل الذريع.
وإذا كنا نتفق على أن المسؤولية مشتركة، وأن هذه الحكومة يشكر لها موقف الاعتراف ودق ناقوس الخطر؛ فإن السؤال الذي يطرحه كل مغربي غيور على وطنه: ما هو السبب الجوهري للفشل؟
لقد حاول البرنامج توضيح عدد من الأسباب التي تقف وراء هذا الوضع الكارثي، إلا أن الضيوف المحترمين تجنبوا التركيز على سبب جوهري وأصلي؛ وهو عامل خارج عن إطار المنظومة التعليمية وما يحيط بها مباشرة من برامج حكومية وأطر تربوية ودور أسري..
هذا العامل مرتبط بما يسمى (استراتيجية السياسة التعليمية) التي تهيمن على أركان التعليم المنهجي؛ ويمكن استنباطها بشكل ميسر من خلال التأمل في حال التلميذ والتلميذة؛ الذي لا يجادل أحد في أن الغالب عليه هو الانحراف الحاد فكريا وسلوكيا..
وجولة واحدة على المؤسسات التعليمية، والتأمل في أحوال وتصرفات التلاميذ؛ كاف لتكوين رؤية أولية تؤكد المستوى الخطير الذي وصلنا إليه (الاستخفاف بالقيم الأخلاقية / تزايد العنف اللفظي والمعنوي والجسدي / كثرة استعمال الألفاظ النابية / التحرش الجنسي المتبادل بين الذكور والإناث / التنافس في فعل الشر / تفشي التدخين وشرب الخمر وتناول المخدرات بين الفتيات قبل الفتيان / التعبير عن أفكار وتصورات منتكسة.. إلـخ).
إن هذه الحال تؤكد أن تلاميذنا مستهدفون بمخطط تشرف عليه (لوبيات) ترعى توجها علمانيا إباحيَّا متطرفا، يهيمن أصحابه على قنوات التأثير وعلى رأسها الإعلام والفن والثقافة والأدب.
وبرامج القناة الثانية نفسها تطفح -مع الأسف- بتمظهرات كثيرة لذلك التوجه..
هناك إذن لوبيات تعمل بشكل حثيث على تحريف فكر التلميذ وسلوكه، وتصيب قوته الإدراكية والتربوية بشلل رباعي؛ يجعلها معطلة عن الاستفادة من برامج الإصلاح التي كان بإمكانها أن تؤدي دورها لو وجدت أرضية صالحة..
لكن المشكل أن هذه الأرضية “إنما هي قيعان لا تنبت عشبا ولا كلأ”.
وما مثل مخططات الإصلاح في إطار هيمنة اللوبيات المذكورة؛ إلا كمثل محرك عالي الجودة يتم وضعه في سيارة مدمرة غير صالحة للاستعمال!
إن المؤامرة هنا حقيقة واقعة وليست مجرد نظرية؛ وأصلها في بلداننا الإسلامية أن محتل الأمس وضع سياسة تعليمية تهدف إلى تنشئة أجيال تنصهر بالتدريج في قوميته، وتتقمص بالتدرج كل مفاهيمه وأنواع سلوكه الفردي والاجتماعي، حتى لا تجد في نفسها حرجا من أن تكون مسخرة، منهوبة الذات والأرض والكرامة والثروات.
وبعد وضع هذا الهدف الرئيسي؛ عمل المحتل على وضع القوالب الفكرية المنهجية لتحقيقه؛ كالعلمانية والفرنكوفونية، كما عمل على ترسيخ هيمنة لغته (القالب التداولي) في التعليم والإدارة والفن والثقافة والأدب ..
كما يعمل على إقصاء الرموز الإسلامية والترويج لرموزه (قالب التحفيز). (من إفرازات ذلك مثلا أن عموم المغاربة يعرفون العالم والمفكر العلماني (فيكتور هيجو) ولا يعرفون العالم والمفكر المسلم محمد بلعربي العلوي)!
فالتعليم في كل بلدان العالم موجه وفق (أيديولوجيات) واضعي سياساته من الأنظمة الإمبريالية، وبناء على مفاهيمهم حول الوجود والكون والحياة والإنسان والنشأة والمصير، ووفق أغراضهم ومصالحهم القومية أو الإقليمية.
لذلك لم يقبل كبار التربويين في العالم بفكرة: أن التعليم والتربية من المبادئ الإنسانية العالمية ذات التراث البشري المشاع، ولم يقبلوا باستيراد مناهج التعليم كما هي عند الأمم والشعوب الأخرى، ولا باستيراد العلوم والآداب التي نشأت في أحضان مذاهب وعقائد ومفاهيم (أيديولوجيات) لا تؤمن أمتهم بها، لأن من شأن هذا الاستيراد العبث بمفاهيم أجيالهم وعقائدهم، وما يريدون تنشئة أجيالهم عليه من مفاهيم وأخلاقيات.
وكذلك لم تقبل الدول ذات الاعتزاز بحضارتها القديمة وتاريخها ومفاهيمها في الحياة وتقاليدها وعاداتها تبعية تعليمية تستورد بها ما يتنافى مع ما تعتز به.
يقول الدكتور (dr.j.b.conant) أستاذ التربية الأمريكي الكبير، في كتابه: (التربية والحرية):
“إن عملية التربية ليست عملية تعاط وبيع وشراء، وليست بضاعة تصدر إلى الخارج أو تستورد إلى الداخل، إننا في فترات من التاريخ خسرنا أكثر مما ربحنا باستيراد نظرية التعليم الإنجليزية والأوروبية إلى بلادنا الأمريكية” اهـ.
يقول هذا الكلام على الرغم من أنه قد جمعت بين الأمريكان والإنجليز اللغة الإنجليزية، والثقافة القديمة، وسيادة المذهب البروتستاني بين الشعبين.
لقد أبرز الأستاذ عبد الكريم بن جلون في بحثه الذي قدمه للمؤتمر العالمي الأول للتعليم الإسلامي في مكة المكرمة سنة 1977؛ بأن الاحتلال الفرنسي اتخذ الترتيبات اللازمة لجعل التعليم في المملكة المغربية العربية الإسلامية تعليما علمانيا، يهدف إلى تربية الولاء الكامل لفرنسا في أبناء الشعب المغربي العربي المسلم، ويتحلل من ولائه لدينه وقومه”.
وقد جاء في أحد فصول معاهدة الحماية؛ أن الدولة الفرنسية تلتزم بإدخال إصلاحات على النظام السياسي والإداري للمملكة المغربية، وعلى مؤسساتها الحكومية.
وبمقتضى السيطرة الفرنسية على التعليم في المملكة المغربية تأسست مدارس أبناء الأعيان في الحضر، ومدارس فلاحية في البوادي، يتعلم فيها الأطفال الفرنسية بالدرجة الأولى، أما الدروس المخصصة للغة العربية والقرآن الكريم فهي لا تتعدى نسبة السدس، إضعافا لها، ويتولى التعليم في هذه المدارس معلمون فرنسيون وأقلية ضئيلة من المغاربة.
وأضاف صاحب الدراسة قائلا: “وأدى التعليم العلماني في المغرب دوره في تخريج متخرجين علمانيين مستغربين، اتجه ولاؤهم للغرب، وانسلخ من الولاء للإسلام والمسلمين انسلاخا كليا أو جزئيا، كما حدث في كل البلاد التي سيطر عليها الاستعمار الصليبي العلماني، أو الاستبداد الشيوعي المادي الملحد” اهـ.
وهو ما أكده أيضا العلامة عبد اللطيف جسوس في دراسته المطبوعة سنة 1981 تحت عنوان “أزمة أمانة”؛ ومن ذلك قوله:
“كل وزارات التعليم في الدول الإسلامية تعلن في مختلف المناسبات عن عدم تنكرها للدين وعن عنايتها بالتربية الإسلامية.
كما نرى في جميع دساتير هذه الدول أن الإسلام هو دينها الرسمي بينما الواقع العملي يفند هذه الادعاءات..
فبرامج التعليم خطط لها أعداء الإسلام الذين عرفوا بعد دراستهم الواسعة وتحليلاتهم المعمقة؛ بأن لا سبيل للتغلب على المسلمين وتشتيت صفهم واستعبادهم ماديا وفكريا إلا بشيء واحد؛ وهو أن تصبح قلوبهم خرابا من الإيمان؛ فسعوا إلى هذا مركزين أكبر اهتمامهم على ميدان التعليم، وأنشأوا المدارس المبرمجة بطريقة ماكرة لمحاربة الإسلام ولغته، وتآمروا على العربية لما لها من تأثير عميق وسحري على الناشئة، وسعوا إلى تحويل أفكار التلاميذ والطلبة إلى نسخة طبق الأصل لفكر الأعداء، وهي نتيجة طبيعية وحتمية لتلقيننا لغة المحتل لأولادنا منذ طفولتهم إلى غاية تخريجهم.
ومن دأب هذه السياسة التعليمية احتقار من يتلقى دراسته بالعربية، وتزهيد أولياء التلاميذ في الاهتمام باللغة العربية حتى تعودنا سماع أن من أراد تأمين مستقبل أبنائه فعليه بالتعليم العصري المزدوج اللغة، وما يتلقاه التلاميذ من العربية في هذه الازدواجية؛ لا يعدو كونه قشورا مطعمة بكل ما يناهض الإسلام ومبادئ القرآن…
وهذا ما جعل المجاهد الكبير السيد أمين الحسيني يقول بعد ما زار المغرب في أوائل الاستقلال؛ قال بعد رجوعه إلى فلسطين: “المغرب استقل عسكريا، ولكنه لا يزال محتلا فكريا”اهـ [باختصار من كتاب أزمة أمانة ص 94-99؛ يشار هنا إلى أن هذه الدراسة عند صدورها أشادت بها جريدة العلم لسان حزب الاستقلال في عددها 11450 بتاريخ 25 نونبر 1981؛ ووصفتها بأنها “دراسة رصينة عن أصل الأزمات والهزائم تفضح الانحراف الذي يبدأ من برنامج التعليم”].
إن القائمين على تلك المؤامرة اليوم؛ يستخفون وراء مبدأ الحرية ويتذرعون بمطلب حقوق الإنسان؛ لتسويغ كل القرارات التي تتخذ لاستمرار تطبيق ذلك المخطط التدميري، ويستعملون في ذلك مختلف قنوات التأثير وترويج الخطاب.
ومعلوم أنهم يتبنون قضية حقوق الإنسان بمفهوم علماني إباحي متحلل من القيم الأخلاقية والإسلامية التي تمثل الحصانة الأقوى من ذلك المخطط الرهيب..
ولنا أن نتصور تلميذا يتعرض منذ اللحظات الأولى لإدراكه والتحاقه بالمدرسة؛ إلى قصف إعلامي وتعليمي مدمر يستعمل أعتى الأسلحة:
أفلام ترسخ سلوك العنف والجريمة، أفلام وأنشطة فنية تحقن شحنات قوية من الشهوانية الجنسية المتطرفة، أنشطة فنية وأدبية ترسخ مبدأ التحرر من قيود الدين وسلطان الأسرة، أنشطة تستخف بالدين والقيم التربوية، انتهاج أساليب تهمش الدين الإسلامي واللغة العربية في اهتمام التلميذ، كل القضايا المجتمعية والسياسية تناقش بعيدا عن الدين وعلماءه ودعاته.. إلـخ.
إن الذين يقفون وراء هذا المخطط الرهيب؛ سوف يحركون المثقفين والسياسيين التابعين لهم لمواجهة أي إصلاح يقوم على اعتبار هذا المعطى ومحاولة إنقاذ التلميذ من الأطراف الأخطبوطية لذلك التوجه التخريبي:
فالذين يطرحون هذا الموضوع فكريا؛ تلفق لهم تهم السذاجة الفكرية والسطحية في التحليل والإغراق في النظريات ومعاناة فكرهم من هيمنة نظرية المؤامرة!
أما الفاعل السياسي الذي يحاول أخذ تلك الحقيقة بعين الاعتبار؛ فستلفق له تهمة خدمة أجندات رجعية ظلامية، وأنه يهدد المكتسبات الحقوقية، ويعمل على سن قوانين وإجراءات تنتهك حقوق الطفل وحريته..
وقد ظهرت آثار التخوف من هذه التهم في مداخلات ضيوف حلقة الأمس من برنامج “مباشرة معكم”!
إن مثل هذه المؤامرة على فلذات أكبادنا (أجيال المستقبل)؛ تستدعي شجاعة من النخب الصادقة، وموضوعية وإنصاف من المعنيين العلمانيين، وتكاثف جهود الجميع، وخصوصا آباء وأولياء التلاميذ من أجل الضغط من خلال العمل الجمعوي وغيره لمواجهة هذا الخطر المستفحل..
والله المستعان.
ننوه الى أن ما ننشره من مواد للسادة والسيدات العلماء والمفكرين والمثقفين والسياسيين، لا يلزم منه الاتفاق معهم في كل أفكارهم وآرائهم
Nous précisons que le contenu publié d'un tiers auteurs n'implique pas que nous sommes forcément d'accord avec l'ensemble de ses idées.
Designed by Khalil BI