أنشطة وأخبار

العلامة ابن عزوز المالكي يستكشف حقيقة (الوهابية) [ الحلقة 2 ]

تاريخ النشر : 29/03/2015

عدد المشاهدات : 1066


كان الشيخ محمد بن عزوز مطلعا على ما يتردد من كلام حول (الوهابية)، وأنهم طائفة مبتدعة في الدين تكفر المسلمين وتعتدي على تراثهم.

إلا أنه لم يرض أن يبقى في تصوره وحكمه على هذا التوجه أسير الأخبار والحكايات، فهذا شأن قليل المعرفة أو صاحب المصلحة أو المتعصب الذي لا يرضى أن يقال له أخطأت.

ذلك كله لم يحكم موقف ابن عزوز، بل سلك مسلك العلماء المنصفين؛ فبحث وقرأ واستشهد الثقات؛ ومن ذلك أنه أرسل إلى صديق له في المدينة النبوية رسالة يستجلي منه فيها الأمر، ثم أرسل الرسالة نفسها إلى “البيطار” علامة بلاد الشام يريد منه جوابا شافيا[1].

ومما جاء فيها: “أخبرني بإنصاف، واعلم أنك مسؤول في عرصات القيامة عن ذلك: أخبرني عن “الوهابية” الذين ترون معاملتهم، وحالتهم مع السنة، والحضرة النبوية، فأنا إلى الآن ما اجتمعت بوهابي، وقد تناقضت عندي المسموعات بالأذن والمرئيات في الكتب بالأعين:

بعض الناس يقولون: الوهابية يحقرون المقام النبوي، ولا يرون فرقا بينه وبين بقعة خالية في الأرض، ويقولون لمن شرب الدخان: أشركت بالله، ويضللون من أثنى على رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنارة، ويكفرون من زار قبرا ودعا الله عنده ويستحلون دمه.

وهؤلاء القادحين فيهم يقولون على سبيل القدح: “هم تابعون ابن تيمية”، فهنا جاء التناقض؛ فإن ابن تيمية إمام في السنة كبير، وطود عظيم من أطواد العرفان، حافظ للسنة النبوية، ومذهب السلف، يذب عن الدين، ويقمع المارقين، كالمعتزلة والقدرية، والرافضة والجهمية، ما فارق سبيل الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة قيد أنملة، .. فإن كان الوهابية حقيقة على منهج ابن تيمية وابن القيم ونحوهما من فقهاء الحنابلة السنية فهم أسعد الناس بالشريعة؛ لأن ابن تيمية وأصحابه لم يسيء القول فيهم إلا القاصرون عن درجاتهم، علما وتحقيقا، والراسخون في العلم شهدوا بعلو مكانتهم. وإن كان الوهابية متصفين بالصفات الذميمة المشار إليها أولا، فأول خصم لهم ابن تيمية ونظراؤه من أئمة الحنابلة، فليسوا بتابعيهم.

وبعض الناس يقولون: الوهابية هم القائمون بالسنة، المتجنبون للبدع، المتبعون للحديث الشريف، وعلى مذهب أحمد ابن حنبل وطريقة السلف في الاعتقاد…”.

“… فأريد منك أن تجتمع بفلان وفلان في محل لا رابع لكم إلا الله، وتقرؤون كتابي هذا بتأمل، وتجيبونني بما تحصل لكم، ذاكرين قوله تعالى: {وإذا قلتم فاعدلوا}[2].

واعلموا أن من البلايا المتسلطة على الدين وإيمان المسلمين أنه صار الذي يصدع بالحديث النبوي الصحيح مقدما له على عصارة المتفقهين يقال له: أنت وهابي. وأحكي لكم لطيفة: كنت سألت بعض متفقهة مكة الحنفية عن رجل أعرفه من أكبر الفضلاء، قلت له: كيف حال فلان؟ فقال لي: ذلك وهابي. فقلت له: كيف وهابي؟ فقال: يتبع البخاري!

فلما حكيتها للسيد عبد الرحمان الجزولي عليه الرحمة والرضوان –وأنا نزيل عنده إذ ذاك– ضحك وقال: هل البخاري شيخ الوهابية؟..”اهـ[3].

وفي بيان اعتماده في بحثه على المطالعة والدراسة يقول:

“وقد كنت طالعت الرسائل المؤلفة من محمد بن عبد الوهاب وأصحابه، ورأيت ما كتبه الجبرتي في “تاريخه” من عقائدهم وسيرتهم؛ فما هي إلا طريق السنة ليس فيها ما ينكر، ورأيت رسائل القادحين فيهم ينسبون لهم الدواهي والعظائم، والوهابية ينفون ذلك عن أنفسهم، لا يحتجون لحسن تلك القبائح ..”[4] اهـ.

وقال: “فلما ارتحلت إلى المشرق سنة 1316، واطلعت على كتب أهل هذا الشأن باستغراق الوقت لا واشي ولا رقيب، وأمعنت النظر بدون تعصب، فتح الله على القلب بقبول الحقيقة، وعرفت سوء الغشاوة التي كانت على بصري، وتدرجت في هذا الأمر حتى صارت كتب الشوكاني وصديق خان وشروح بلوغ المرام وما والاها أراها من أعز ما يطالع، أما كتب الشيخين ابن تيمية وابن القيم فمن لم يشبع ولم يرو بها فهو لا يعرف العلم.

.. ومنذ عرفت الحقائق، استرذلت الحكم بلا دليل.

ومن اللطائف أن في الشهر الأول من انفتاح البصيرة، ألقي إلي في مبشرة منامية قوله تعالى: {سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}[5]”اهـ.

قلت: والعالم الصادق لا يسعه إلا أن يدعو إلى الحق الذي عرفه بدليله، وهو ما قام به العلامة ابن عزوز:

قال محمود الألوسي: “وقد اجتمع به ابن العم في هذا السفر الأخير وأخبرني عنه أنه الآن تمذهب بمذهب السلف قولا وفعلا وأصبح يجادل أعداءه، ويخاصم عنه”[6].

وقال عنه العلامة القاسمي: “إن حضرة العالم النحرير، سليل العلماء الأفاضل السيد محمد المكي بن عزوز التونسي نزيل الأستانة كان من أشداء المتعصبين للجهميين والقبوريين، ثم بصره الله تعالى الحق فاعتنقه، وأصبح يدافع عنه، وهذا الفاضل لشهرة بيته ونباهة أمره يعد بألوف ..”اهـ[7].

وقد تقدم أن من مؤلفات ابن عزوز: (العقائد الإسلامية: الكبرى والصغرى)؛ وهو كتاب نفيس ركز فيه على المسائل المهمة التي انحرف فيها أهل البدع مع بيان ما يقابلها من عقيدة أهل السنة والجماعة، وقد جعلها في مقابل أم البراهين الكبرى والصغرى التي انتشرت في المغرب مع ما تضمنته من أخطاء عقدية تنسب إلى الإمام الأشعري”[8].

وفي شكوى من موقف المتصلبين الرافضين الرجوع إلى الحق يقول علامة المالكية:

” ومما أتعجب منه وأتأسف، ما رأيته في نتائج مخالطاتي لأهل العلم ومناظراتي ومذاكراتي أني أجد الشبان والطلبة الصغار أقرب قبولا للحق، وذوقا للصواب، وسرورا بالدليل من الشيوخ، وأكثر الشيوخ جامدون على ما ألفوه، ومن أحبارهم ورهبانهم عرفوه، ولا أدري هل ذلك لطول قعودهم في أرض التقليد صاروا كمن دقت له أوتاد والتحمت تلك الأوتاد بالأرض، فلا يستطيعون النهوض منها؟ أم لأن غالب الشيوخ أكبر مني سنا؟ فهم يأنفون من أن يستفيدوا ممن هو أصغر منهم؟ أم كيف الحال.

وعلى كل حال أتذكر عند ذلك قول الشاعر:

إن الغصون إذا قومتها اعتدلت                 ولن تلين إذا كانت من الخشب

وإني أحمد الله تعالى على أن أنقذني من أسر التقليد، وصرت إذا رأيت تعنتهم واتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله أتلو قوله تعالى مذكرا لنفسي آلاء الله: {كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم}[9]، لأني كنت أرى قول فقيه: المعتمد كذا، أو استظهر شيخنا كذا، كأنه بين دفتي المصحف، والله بل آكد “أستغفر الله”؛ لأني أقول: الآية لا أفهمها مثله، ونظن كل كلمة قالها المالكي فهي من مقولات مالك أو حنفي فأبو حنيفة أو شافعي … إلخ والخروج عن الأربعة كالكفر ولو أيده ألف حديث.

والحمد لله الذي عافانا مع بقاء احترامهم ومحبتهم في قلوبنا”اهـ [10].

نتيجة منطقية:

بالتأمل في الحقائق المتقدمة تتبخر شبهة (الوهابية) بأشعة العلم اليقيني والمعرفة الموضوعية، بعيدا عن الأحكام المصلحية والجهالات الصحافية؛ فانبجست من عيون الحقيقة سلفية أصيلة تدعو إلى القرآن والسنة على منهاج سلف الأمة من الصحابة والتابعين والأئمة المرضيين، في التدين وأصول الاستنباط، وهذا هو دين الإسلام كما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لمن أراده، والصراط المستقيم لمن رغب فيه، وتلك المحجة البيضاء والملة السمحاء، المبرأة من التعصب والجمود، والمعتقد الفلسفي الكلامي، والطرقية الخرافية الجانية على العقل والدين، فرحم الله المنصفين ..

[1] الرسالة أثبتها بنصها: العلامة جمال الدين القاسمي في رسالة إلى العلامة الألوسي مؤرخة ب: 20 ذي الحجة 1327، مطلعها: “اطلعت على رسالة بخط العلامة الفاضل السيد محمد المكي بن عزوز ..”، ورسالة ابن عزوزمؤرخة ب: ذي الحجة 1327 هـ؛ راجع كتاب: [الرسائل المتبادلة بين القاسمي والألوسي ص. 104].

[2]   سورة البقرة، الآية: 134.

[3] [الرسائل المتبادلة بين القاسمي والألوسي ص. 106/107].

[4] الرسائل المتبادلة بين القاسمي والألوسي ص. 104]

[5]   سورة البقرة، الآية: 142.

[6] في رسالة أرسلها إلى القاسمي بتاريخ: محرم 1328 هـ.: [المصدر السابق ص. 115].

[7] الرسائل المتبادلة بين القاسمي والألوسي، ص101-102.

[8] انظر مقدمة الدكتور بوغزالة لكتاب العقيدة الكبرى ص. 6

[9]   سورة النساء، من الآية: 94.

[10] الرسائل المتبادلة بين القاسمي والألوسي، ص108-109

وسوم :

مواد ذات صلة

العلاقة بين عيسى ومحمد عليهما السلام

تاريخ النشر : 27/12/2016

عدد المشاهدات : 3594

جاري البودشيشي 1

تاريخ النشر : 26/12/2015

عدد المشاهدات : 3798

لماذا لا يأخذ المغرب برؤية الدول الإسلامية الأخرى؟

تاريخ النشر : 9/06/2015

عدد المشاهدات : 1485

إجابة السائل عن حكم صيام المرضع والحامل

تاريخ النشر : 9/06/2015

عدد المشاهدات : 1815

دلالات الندوة الرسمية حول السلفية المغربية

تاريخ النشر : 15/04/2015

عدد المشاهدات : 1804

على هامش الندوة الرسمية حول السلفية في المغرب

تاريخ النشر : 6/04/2015

عدد المشاهدات : 1233

'