تاريخ النشر : 25/07/2016
عدد المشاهدات : 5471
الشيخ أبو النعيم والقناة الثانية .. من أين يؤكل الكتف؟
بقلم: حماد القباج
أود أن أوضح في مستهل هذه المقالة أنه إن كان من جهة -في هذا الموضوع-؛ ينبغي أن تحاكم فهي القناة الثانية دوزيم، لأنها تتبنى خطا تحريريا لا يشك مطلع أنه يستهدف القيم الدينية والأخلاقية للمغاربة، وأنها قناة تنشر بين المغاربة ما يرسخ السلوك الإباحي ونمط العيش المتحلل من مستلزمات العبودية لله تعالى والقيم المنبثقة عنها، لا سيما أن فئات واسعة من الشعب المغربي ونخبه أجمعوا على خطورة الرسالة التي تؤديها هذه القناة.
وهذا الواقع الفاسد لقناة يمولها المغاربة ويدفعون مصاريف اشتغالها؛ يستلزم إنكارا شرعيا واستنكارا وطنيا ومجهودًا متواصلا لتغيير هذا الفساد ..
وهو ما تقوم به فئات واسعة من المغاربة وفي مقدمتهم الدعاة إلى الله تعالى ..
وإذا كان هذا هو الموقف الشرعي الذي يجب أن يتخذه الدعاة من الخط التحريري للقناة؛ فإن آداب دينهم تحتم عليهم أن ينصحوا مسيري القناة وموظفيها من منطلق الرحمة بهم وحب الخير لهم وأن يبينوا لهم أنهم يخدمون رسالة لا تشرف صاحبها ولا تجعله مرضيا عند ربه وعند الناس العقلاء الرافضين لمشاريع التغريب التي تمسخ شخصية الإنسان المسلم، والعولمة التي تلتهم خصوصياته الشرعية والحضارية.
وقد يحتاج الداعية إلى شيء من الحزم في مخاطبتهم لينبههم إلى خطورة ما هم عليه؛ فرب غافل أو مغرر به لا يستيقظ من غفلته إلا ببعض العبارات القوية!
لكن مهما قلنا في تسويغ هذا الحزم؛ فإنه لا ينبغي أبدا أن يصل إلى درجة إصدار الأحكام الخطيرة واستعمال الألفاظ ذات الحمولة التكفيرية ..
ومن هنا أجد نفسي لا أتفق أبدا مع الشيخ أبي النعيم في عبارتين استعملهما في إنكاره على نقابة الصحافيين ومسيري القناة الثانية؛ وهما:
“النقابة الوثنية للصحافة المغربية”!
والعبارة الثانية: “الذين يسيرون اليوم القناة الثانية يهود وصهاينة”!!
وقد جعل العبارة الأولى عنوانا لتسجيل مرئي، وردده في التسجيل الذي صرح فيه بالعبارة الثانية ..
والعجيب أن كل من تعاطف مع الشيخ أبي النعيم ضد القناة الثانية -وأنا معهم في أصل التعاطف-؛ كان تعاطفهم مجردا عما تتحقق به النصرة بالمعنى والمفهوم الشرعيين؛ فشرعنا لم يرشدنا إلى قاعدة: “انصر أخاك ظالما أو مظلوما” بالمفهوم الجاهلي؛ ولكن أعطاها مفهوما شرعيا بالغا في الجمال والجلال حين قال في تفسير نصرة الظالم: “أن تحجزه عن الظلم“.
ولذلك أقول للشيخ أبي النعيم: لقد اعتديت في العبارتين السابقتين اعتداء بليغا، ولا يحق لك شرعا ولا وطنية أن تصف إخواننا في النقابة بهذا الوصف الخطير، وفيهم أهل الشهادتين والمصلون والصائمون وحجاج بيت الله ..؛ الذين إن وقع منهم جهل فواجبنا كدعاة أن نعلمهم بالحكمة والموعظة الحسنة ..
وحتى المنحرفون منهم انحرافا شديدا عن الدين؛ يطلب منا شرعا أن نتألفهم ونرفق بهم لقول الله تعالى: “فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى“
وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا مع اليهود أنفسهم؛ فكيف بمن دونهم؟
عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان ناس يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود، فيقولون السام عليك!
فيقول: “وعليكم“.
ففطنت بهم عائشة فسبتهم، (وفي رواية: قالت عائشة: “بل عليكم السام والذام واللعنة يا إخوان القردة”)!
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مه يا عائشة! لا تكوني فاحشة؛ فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش“.
قالت: فقلت: يا رسول الله إنهم يقولون كذا وكذا.
فقال: “أليس قد رددت عليهم“؟ (حديث صحيح).
كيف وفي نقابة الصحافيين من أهل الفضل والإصلاح من يستحقون كل التقدير وإن اختلفنا معهم في بعض الآراء والتصورات؟!
كما أن انتقادنا القوي للخط التحريري للقناة الثانية لا ينبغي أن نخلط بينه وبين الحكم على المسيرين لها بأنهم يتقصدون خدمة المشروع الصهيوني!
وإذا كانت القرائن تدل على أن من يحرك خيوط القناة الثانية في الخفاء له مثل هذا المقصد؛ فإن تعميم هذا الحكم على إدارة القناة خطأ كبير، لا سيما أن منهم من يعتقد أن القناة لا تخدم المشروع الصهيوني بقدر ما يعتقد أنها تخدم رسالة الإسلام الوسطي المعتدل!
ومثل هذا يحتاج إلى خطاب الإقناع وليس إلى خطاب التهويد أو التنصير أو الصهينة.
فإن هذا الخطاب وإصدار هذه الأحكام لن يصلح الفاسد ولن يوقظ النائم ولن ينبه الغافل، ولذلك أرشدت الشريعة إلى تركها، وقالت: “وقولوا للناس حسنا“.
لقد ترددت كثيرا في كتابة هذا الرأي الذي أقتنع به في موضوع نصرة الشيخ أبو النعيم حفظه الله وسلمه من كيد الكائدين ومكر الماكرين ..
وسبب هذا التردد أنه في سياق محاكمته بدعوى قضائية رفعتها عليه القناة الثانية؛ قد يقول قائل: الوقت غير مناسب لهذه النصيحة ..
لكن انتظرت مرور وقت جلسة المحاكمة كي لا تستغل المقالة ضد الشيخ، وخرجت من التردد إلى العزم؛ لأنني مقتنع بأن الشيخ أبا النعيم لن ينتفع بمن يسكت عن أخطائه التي صارت منهجا في نقد الأشخاص والمؤسسات التي وقعت في صور من الانحراف؛ بقدر ما سوف ينتفع بمن يدله على موطن الخلل عنده ليصححه امتثالا لما أوجبته الشريعة من الرفق والحكمة، وإبطالا لكيد من يستفز الدعاة وينصب لهم الأفخاخ ليجعل منهم فريسة سهلة لمكره ودهائه…
وقد وجهت هذه النصيحة في مناسبات سابقة للشيخ أبي النعيم وفقه الله، وأرجو أن تكون هذه الرسالة المفتوحة سببا لمراجعته لمنهجيته، وأن يأتي البيت من بابه كي تتحقق مقاصده الشرعية النبيلة ..
ووالله وبالله وتالله؛ إنه ليعز علي أن أرى شيخا فاضلا له تاريخ حافل من النضال في مجال الإصلاح والدعوة إلى الله؛ يعز علي أن أراه يستهدف من طرف جهة هي أولى بالمحاكمة لما تقترفه من جرائم أخلاقية في حق المغاربة ..
كما يضرني أن أرى جريدة وطنية تسارع لنقل ارتسامات شباب متحمسين باسم: “علماء ودعاة يخذلون الشيخ أبا النعيم”!!
وكانت متطلبات السلوك الشرعي والمهنية الصحافية تستلزم منهم تتبع ما يتعلق بالموضوع واستنكار أخطاء الشيخ قبل استنكار موقف خصومه؛ ليس لأن أخطاء الشيخ أكبر؛ ولكن لأن النصرة الحقيقية له تقضي بالتعاون معه على تجاوز الأسباب التي تجعله يضر بالدعوة وبنفسه؛ لا سيما أن خطابه العنيف صار يتكرر كثيرا، ووصل إلى استعمال لفظ (الوثنية) في حق نقابة الصحافيين!
فهل ننكر عليه ذلك؟
أم نسكت على تلك الانزلاقات الخطيرة؛ لأنه أخونا وينتمي إلى مجالنا (الدعوة)؟!
أما شرعنا فيوجب الأول، ويعتبر الثاني عصبية مذمومة قال في مثلها نبينا صلى الله عليه وسلم: “دعوها فإنها منتنة“.
وقد كان شيخنا أبو عامر وفقه الله على قدر كبير من الحكمة والفقه حين دعا إلى نصرة الشيخ بمقالة تحت عنوان “أخطأ أبو النعيم وأجرم خصومه”، وكانت هذه المقالة من منشورات الصفحة التي فتحتها أنا شخصيا على الفيسبوك قبل ثلاث سنوات؛ لنصرة الشيخ في مواجهة الظلم الذي تعرض له آنذاك ..، كما أن أفاضل تدخلوا لدى جهات مسؤولة ليبينوا لها ما يحمل على الرفق بالشيخ وعدم معاملته بقاعدة:
ألا ليجهلن أحد علينا …. فنجهل فوق جهل الجاهلين
فلعل الشيخ يتجاوب مع نصيحتنا له بتغيير أسلوبه والكف عن إصدار الأحكام غير المشروعة في حق الناس، ولعل الشباب يكفون عن جعل مثل هذه القضايا سببا للمزايدة على شيوخهم وعلماءهم، ويكفوا عن التغرير بالشيخ وإيهامه بأن طريقته طريقة مشروعة لنصرة دين الله ..
وإذا لم يغير الشيخ ومحبوه أسلوبهم؛ فسيبقون فريسة سهلة لأهل الباطل الذين يستفزونهم أولا ثم يلعبون دور الضحية وينفرون من الخطاب الدعوي بسبب زلة بعض من يبلغونه ..
وهذا من أخطر ما يضر بالدعوة: تهور بعض رجالها ودهاء خصومها الذين يعرفون من أين تؤكل الكتف ..!
وختاما أؤكد بأن مقاومة فساد القناة الثانية لن يكون بالسب واللعن، ولا بإصدار الأحكام؛ بل بالتوعية المتواصلة والكلمة الطيبة والنقد العميق والمشاريع الإصلاحية المؤثرة ..
وأختم بهذه الأبيات الجميلة للدكتور عادل رفوش في نصرة الشيخ أبي النعيم مع تنبيهه لخطئه:
عَجِيبٌ أَنْ يُرَىٰ بِأَذَىًٰ وَ ضَيْمِ … كَرِيمٌ ؛ وَ اللئيمُ بِغَيْرِ لَوْمِ
قناةُ الفِسْقِ تَحْظىٰ بِاحْتِماءٍ … وَ يُقْصَدُ بالسَِهامِ أَبُو النُّعَيْم
إذا سَقَطَتْ عِبارَةُ ذِي امْتِعَاظٍ … فَلَا عَدٌّ لِسَاقِطَةِ الدُّزَيْمِ
فَلَا الإعْلَامُ يَرْضَاها مِثَالاً … وَ لا دِينٌ وَ لا شعْبٌ بِسَوْمِ
سَنَدْفَعُ كُلَّ ذِي ظُلْمٍ ؛ و نَرْجُو … بَأَنْ يَحْمِي الحُقُوقَ قُضاةُ قَوْمِي
وسوم :الرد على المخالف النصيحة النقد العلمي