أنشطة وأخبار

السلفيون المغاربة والثورات

تاريخ النشر : 13/09/2015

عدد المشاهدات : 2482


السلفيون المغاربة والثورات ..

بقلم: حماد القباج

عنوان هذه المقالة ينبغي أن يكون موضوع دراسة معمقة ..

وأود في هذه العجالة أن ألفت الانتباه إلى خطأ فادح وقع فيه بعض السلفيين؛ وهو أنهم تعاملوا مع الثورة على الظلم (ثورة المظلومين) بمنطق لزوم البيوت وعدم الخوض في الموضوع مطلقا، فلما جاءت الثورة المضادة (ثورة الظالمين)؛ غادروا بيوتهم وخرجوا من صمتهم؛ وجعلوا يجلدون المظلومين ويلومونهم ويحملونهم مسؤولية ما ترتب على الثورات!

وفي خرق سافر لقاعدتهم في “ترك السياسة بشكل مطلق”، -وكأن هذه القاعدة من قطعيات القرآن والسنة-؛ هاجموا علماء ودعاة لم يأمروا بثورة ولا سعوا في إيجادها؛ وإنما تكلموا في أحداثها توصيفا وتحليلا، وحاولوا أن يرشدوا المسلمين إلى مواقف يستفيد بها المسلمون والدعاة من واقع الثورات، كما يسعى الجميع للاستفادة ومحاولة إيجاد موطن قدم لدعوته بعد أن بعثرت الثورات الأوراق وأربكت الحسابات ..

المشاركة السياسية بديل عن التغيير العنيف:

فلا يعقل أن يهرول الجميع لتوسيع دائرة حريتهم وتقليص حجم الاستبداد الذي يكبل آراءهم ومواقفهم، ويبقى المتدينون والدعاة معتزلين ينتظرون أن يتبلور واقع يرسخ “هامشيتهم” ويكرس “إقصاءهم”!

بل الشرع والعقل يوجبان أن يبذلوا ما أمكنهم من جهد؛ لنصرة دعوتهم وضمان حريتهم في التعبير عن آراءهم وقناعاتهم ..

وهو ما تضافرت عليه فتاوى كبار العلماء؛ الذين نصوا على مشروعية المشاركة السياسية في ضوء قاعدة المصلحة والمفسدة، وسنة المدافعة ..

وهذا هو الموقف الذي أعتقد أنه الموقف الشرعي الذي دلت عليه الأدلة الشرعية ..

وقد وافقني على ذلك عدد من أهل العلم ورجالات الدعوة في المغرب وخارجه ..

ويتأسس هذا الموقف على حقائق ثابتة؛ أوردها في هذه المقالة بيانا للحقيقة، ودفعا لافتراءات دعاة لم يتورعوا عن الطعن في ديننا ورمينا بالزيغ والضلال، ومخالفة المنهاج!

بل إن أحدهم –غفر الله له- كتب مؤخرا مقالة يصفنا فيها ب: “دعاة الثورات”!!

استند فيها إلى تغريدة كتبها الشيخ علي حسن الحلبي؛ قال فيها: “عجبا لدعاة الثورات ..الذين أججوا العواطف .. وألهبوا الحماسات .. وأفتوا بالقتل والتقتيل – ولو بالملايين – إثر ما سمي بـ ( الربيع العربي ! ) – الفاشل – !

ثم .. إذا بهم يتباكون (!) على الطفل السوري الذي لفظت جثته أمواج البحر الثائرة !!

وهو جزء من آثار ما صنعته أيديهم ..وعملته ألسنتهم .. عجبا – والله – ..   ولا من مدكر .. ” انتهى.

ثم علق الأخ المشار إليه على التغريدة بكلام يوهم أن إخوانه في المغرب؛ من دعاة الثورات، وجعل يرد عليهم بنقولات لا يخالف مضمونها طالب علم سلفي!

ومرة أخرى بقي أسير تصوره المتواضع للتأصيل، وعجزه المتواصل عن التنزيل؛ الذي سجع كثيرا لبيان أهمية ضوابطه دون أن يكتب حرفا واحدا يرشد حائرا ويهدي ضالا ..

وقد بينت له مرارا أن هذا ليس بعلم ولا فقه، وأن الأولى له أن يكف عن الكتابة فيما لا يفهم؛ بعمومات (تأصيلية) وقواعد (منهجية) لا يعرف تنزيلها، ولا يسلم لمن وفقه الله تعالى إلى تنزيلها بمواقف شرعية عملية غير عقيمة؛ تخفيفا للشر والفساد وتوسيعا لدائرة الخير والصلاح ..

وقلت له: إن لم تسَلّم فهلم إلى حوار ونقاش علمي أخوي؛ يظهر به خطأ المخطئ وحق صاحب الحق ..

لكنه يأبى ذلك كله بإصرار، ويستميت في استهداف إخوانه بظلم بين جلي، وتحامل غريب؛ ينسب لهم فيه ما هم منه براء، ويوهم عنهم خلاف ما هم عليه؛ وآخر ذلك هذه المقالة الظالمة التي وصفهم فيها ب: “دعاة الثورات وأصحاب الانفعالات“!!!

وهاكم أيها القراء الكرام؛ حقائق تكشف الواقع بعيدا عن التزوير والتحامل؛ والله المستعان على ما يصفون ويفترون:

الحقيقة الأولى حول مواقفنا من الثورات:

استنكار الظلم والاستبداد الذين بلغا في الأنظمة السياسية العربية مبلغا لا يحل شرعا إقراره ولا السكوت عنه ..

والتأكيد على حق الشعوب المظلومة المقهورة، في دفع ذلك الظلم ورفع ذلك الاستبداد؛ الذي طالما أنكرناه قبل ما سمي بالربيع العربي؛ لا سيما استبداد النظام التونسي الذي كان البعض يسعى لاستنساخه في المغرب؛ والذي كانت قوى سياسية قاب قوسين أو أدنى من استكمال مشروع نقله إلى الواقع المغربي؛ لولا بصيرة الملك وحكمته، وطوفان الثورات الذي قلب السحر على الساحر ..

انظر على سبيل المثال: مقالتي المنشورة في مجلة البيان –قبيل اندلاع الثورات- تحت عنوان: “جناية العلمانية على تونس“.

بالإضافة إلى مقالات ومواقف أخرى ما فتئنا نندد فيها بالظلم والاستبداد، وحق الشعوب والدعاة في الحرية والكرامة ..

الحقيقة الثانية:

التصريح بأن الثورات وسيلة خطيرة لتغيير ذلك الواقع المليء بالظلم والجبروت، وأن المفسدة لا ينبغي أن تدفع بما هو أكبر منها:

وهو نص قولي في ص 86 من كتابي “الاستبصار ..” (ط 2011):

لا يبنى الكلام هنا على العواطف والتهييجات السياسية التي تفتقد الحكمة في تدبير الدنيا والبصيرة في الدين، ولا مجال هنا للتحليلات السطحية والمزايدات السياسوية، التي تريد استغلال ظروف التغيير للزج بالبلاد في أوحال مصير مجهول العواقب؛ باسم استنساخ واقع الثورات، وباسم إسقاط الفساد والمفسدين.

إن التغيير بالثورة على نظام الحكم؛ تغيير ملغوم سواء كانت الثورة سلمية أو قتالية، وإذا كان إخواننا في تونس ومصر قد اضطروا إليه؛ فإننا ولله الحمد لا نزال في فسحة، وعندنا عوامل تاريخية وواقعية يمتنع معها قياس حالنا على حال غيرنا“اهـ بحروفه

وغداة اندلاع مظاهرات 20 فبراير؛ كتبت مقالتي المؤرخة ب: 21 فبراير 2011؛ المنشورة بجريدتي هسبريس والسبيل وغيرهما تحت عنوان: “مظاهرات 20 فبراير: تقييم شرعي“.

والتي وضحت فيها خطورة ما حف مظاهرات حركة 20 فبراير من مفاسد وشرور ..

وكان موقفي من هذه الحركة معتدلا: فلم أقل إنها ثورة مشروعة، ولم أتنكر للمطالب المشروعة التي رفعتها؛ بل أيدت هذه المطالب ودعوت لتحقيقها مع الدعوة لاجتناب الفتن والمخاطر، والتحذير من المفسدين الذين أرادوا استغلال الحركة لتهديد الاستقرار المغربي وإشعال فتنة الثورة ..

وتواصلت مع عدد من الشباب المنضم إليها، وكنت أحاورهم بما يفصل ذلك الإجمال ويقنع بحرمة المقامرة باستقرار الوطن.

وبهذه المناسبة؛ أشهد أنني تواصلت مع عدد من الشيوخ السلفيين لاستشارتهم في مواقفي في هذه النازلة؛ فلم أجد تجاوبا إلا من الشيخ عادل رفوش الذي طمأنني لسلامة تلك المواقف وشجعني بقوة للمضي فيها (وكان في ذلك الوقت مسافرا خارج المغرب).

ويشهد الله أنه كان يتصل بي ويستمر معي أحيانا على الهاتف ساعات؛ نتباحث فيها الأمر من الناحية الشرعية، وأستفسره عن دقائق علمية فيوضح الأمر بأدلته وقواعده على طريقة العلماء الكبار، وقلت له مرة: “يا شيخ لقد اطمأننت لمنزلتك العلمية وملكتك الفقهية، وأهليتك للاجتهاد؛ وسأجعلك بيني وبين ربي في ما أتخذه من مواقف أستشيرك فيها كلها“.

وفي المقابل أنكر علي شيخ آخر مقالة تقييم حركة 20 فبراير، وقال لي: “المغرب كثر فيه الفساد وهو بحاجة إلى ثورة”!!!

الحقيقة الثالثة:

وبناء على الحقيقتين المتقدمتين؛ انخرطنا في مجهودات الوطنيين الغيورين على هذا البلد، وبذلنا جهدنا لتشجيع مسار الإصلاح السياسي السلمي الذي قاده بكل شجاعة وحكمة وبصيرة؛ جلالة الملك محمد السادس وفقه الله تعالى ..

وقد سجلت بفضل الله بمعية العالم المغربي الوطني الدكتور عادل رفوش مواقف نتحرى فيها الشرع في كل المحطات السياسية الهامة في هذا الإصلاح: خطاب 20 مارس، التعديل الدستوري، التصويت على الدستور، انتخابات 25 نونبر، محاورة الشباب الغاضب وإقناعهم بأن “التغيير السياسي السلمي” أولى من “التغيير الثوري العنيف” ..

وفي أحد المؤتمرات السياسية خارج المغرب؛ قال أحد السياسيين التونسيين: “ننتظر بشوق ثورة المغرب وإسقاط ..(كلمة قبيحة في حق الملك)”!

فتدخلت وشرحت الوضع المتميز للمغرب؛ ومواقف الملك الإصلاحية سياسيا واقتصاديا، ومجهوداته المشهودة، ودوره في منع انزلاق المغرب إلى وضع “الاستبداد التونسي”؛ وطلبت منه سحب تلك الكلمة القبيحة؛ وإلا انسحبت أنا من المؤتمر.

فسحبها واعتذر ..

وقد احتسبت هذا الموقف عند الله، ولم أخبر به حتى رأيت هؤلاء الظالمين يتمادون في ظلمنا إلى درجة وصفنا ب: “دعاة الثورات”!

كما أسجل هنا بأن جريدة السبيل المغربية كانت حاضرة في هذا الحراك الوطني بقوة؛ من خلال مقالات رصينة وواعية دبجتها أيادي كبار كتاب الجريدة؛ وفي مقدمتهم مديرها: الكاتب الإسلامي والمحلل السياسي الأستاذ إبراهيم الطالب، ورئيس تحريرها: الكاتب الإسلامي الأستاذ نبيل غزال ..

المسألة الدستورية:

وفي سياق تشجيع المسار السياسي؛ أصدرنا كتابنا المختصر: “نظام الحكم في الإسلام والمسألة الدستورية“.

وكان بمثابة مذكرة اقتراحية تتضمن مطالبنا بشأن الدستور كما تقدم الجميع بمذكراتهم ..

وعقد الشيخ عادل في الدار البيضاء مجلسا استدعى له كل من نعرف من أهل العلم لمشاورتهم؛ وعرض عليهم تبني المذكرة التي كتبناها ..

كما عقدت التنسيقية المغربية لجمعيات دور القرآن: لقاءين تواصليين مع كل من نعرف من الدعاة لمناقشة المستجدات والنوازل السياسية ..

واستجاب لرؤيتنا كثير من الدعاة والشيوخ السلفيين، وشكرونا عليها، وعملوا في إطارها، وزكوا كتاب “نظام الحكم”، وشاركوا في الحملة التي قادتها التنسيقية للدعوة للتصويت على الدستور ..

وبعض هؤلاء انقلبوا علينا وقاطعونا مباشرة بعد الانقلاب الذي تزعمه الجنرال عبد الفتاح السيسي وحلفاؤه في الغرب والخليج!

وفي المقابل لا بد أن أشهد؛ بأن عددا من الدعاة والشيوخ السلفيين انخرطوا بقوة في هذا المسار الإصلاحي، واستمروا فيه بعد الانقلاب؛ وفي مقدمتهم: الشيخ الفقيه حسن الشنقيطي، والشيخ الداعية محمد شوقي، والباحث الداعية طارق حمودي، والشيخ الداعية محمد زريوح ..

الانتخابات الاستثنائية:

وكنا حاضرين في محطة الانتخابات التشريعية الاستثنائية التي عرفها المغرب يوم 25 نونبر 2011 ..

فكتبت مقالة: “من هو الأصلح؟

دعوت فيها للتصويت على حزب العدالة والتنمية؛ والتعاون معه على الإصلاح ومقاومة الفساد الذي كاد يودي بالبلد ..

وأصدرت كتاب: “الاستبصار والتؤدة في عرض المستجدات والنوازل على قواعد المصلحة والمفسدة“.

وكان مقررا أن أكتبه بمعية الشيخ عادل لولا اضطراره للسفر مرة أخرى؛ فحرمت –مع الأسف- مشاركته وآراءه العلمية السديدة؛ فاقتصرت على تضمين الخاتمة جزءا من محاضرته العلمية المطولة التي ألقاها في لقاء التنسيقية ..

وقد تشرفت في الكتاب بتقريظ: شيخي العلامة الدكتور لحسن وجاج بارك الله في عمره.

كما خضع الكتاب لتحكيم علمي من اللجنة العلمية لموقع “الدرر السنية” المتخصص في الكتاب الإسلامي؛ وتم ترقيمه بدرجة: “جيد في بابه“؛ ولله الحمد.

المظاهرات:

وفي موضوع المظاهرات شددنا على بيان أنها مسألة اجتهادية وليست مسألة أصول أو منهاج، وأنه إذا سدت كل المنافذ المشروعة للمطالبة بالحق ودفع الظلم؛ فالقواعد الشرعية تدل على مشروعيتها ..

وأكدنا أن المشروعية مشروطة بشروط؛ منها: أن لا يترتب عليها مفسدة أكبر من  تلك المراد دفعها ..

وقد بينا مرارا عدم فائدة تناول الموضوع بسطحية وعمومات لا يختلف فيها عاقلان، ولا تلامس حقيقة الإشكال، ولا تحل تعقيد المسألة بل تزيدها تعقيدات إلى تعقيداتها ..

وكنا في ذلك كله؛ ملتزمين بمبدأ التشاور والاستنصاح مع كل من يمكن أن يفيد من العلماء والخبراء ..

وكان الشيخ المغراوي أشد الناس لنا تأييدا وتشجيعا ودعما؛ كما هو معروف للجميع من البيانات التي أصدرها، والحوارات الصحافية والتلفزية التي أجراها، والمحاضرات والندوات التي ألقاها أو شارك فيها ..

الانقلاب والموقف من المقاطعين والمعتزلين:

وكنا نحترم موقف من رأى لزوم الصمت والبعد عن الخوض في هذا الموضوع الشائك ..

لكننا تفاجأنا حين رأينا هذا البعض يخرج عن صمته حين جاء الانقلاب وما يسمى بالثورات المضادة؛ فصار يتكلم وينتقد ويرد بما يصب في مصلحة الظالمين والمستبدين!

وهنا تم التنازل عن قاعدة: من السياسة ترك السياسة ..

وبدأ بعض السلفيين يعقدون الندوات ويصدرون البيانات لبيان حرمة المظاهرات والمشاركة في السياسات!

فإن كان هذا حقاً؛ فلماذا لم تجهروا به لما نزلت نازلته وتعطش السلفيون والمتدينون لمعرفة الموقف الشرعي الصحيح؟

وإن كان باطلا؛ فلماذا لا نتعامل معه بمنطق: من السياسة ترك السياسة ولزوم الصمت؟!

إنني أحترم رأي الساكتين، وأتفهم موقف من اعتزل هذا المعترك الصعب ..

لكنني لا أوافق أبدا على مواقف الجبن والخذلان التي تطبق تلك القاعدة مع الظالمين المستبدين، ولا تلتزمها حين يتعلق الأمر بما تراه خطأ وقع فيه المظلومون المقهورون ..

كما أنه ليس من الأخلاق الشرعية ولا من المروءة والرجولة أن نتزلف للإسلاميين لما وضعتهم رياح الثورات في الحكم، ونقلب عليهم ظهر المجن حين ينقلب عليهم الطغاة الظلمة ..

ومعاذ الله أن تكون هذه سلفية؛ مهما اجتهد أصحابها في التزيي بزيها.

ولو أنصفوا؛ لعلموا أن (ثورة الظالمين)؛ هي الأولى بالسكوت ولزوم البيوت وعدم اتخاذ مواقف يظهر منها الإقرار والتشجيع ..

ولو أنصفوا لعلموا أن العلماء الموفقين لم يأمروا بثورة ولا سعوا في فتنة؛ بل اجتهدوا في تحقيق مكاسب لأهل التدين والدعوة؛ مدافعة للظالمين الفاسدين، وتخفيفا لشر فسادهم قدر الإمكان.

وكفى بذلك الموقف الانقلابي قبحا؛ أنه يتماهى مع موقف (الرسلانيين والرضوانيين) الذي بارك خروج ظالم سفاح على ولي أمر شرعي، ومارس كل أشكال التحريف لشرعنة ذلك الظلم والعدوان الذي لا تقره شريعة سماوية ولا أرضية ..

وزادوا في طينتهم النجسة بلة؛ حين هاجموا مواقف علماء مصر الأحرار؛ من أمثال: الشيخ أبي إسحاق الحويني والشيخ محمد حسان والشيخ محمد حسين يعقوب ..

فهؤلاء العلماء لم يأمروا بثورة ولم يسعوا فيها، وإنما نزلوا إلى الميدان وتكلموا في السياسة؛ لأداء أمانة التبيين التي تحملها العلماء؛ أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر وتخفيفا للمفاسد وتوسيعا لدائرة الخير والإصلاح ومزاحمة لقوى الشر والفساد ..

فلما بدت ملامح الثورة المضادة؛ ركزوا جهودهم في السعي لحقن الدماء ولزموا الصمت حيث كانت لهم في ذلك مندوحة ..

وهكذا تكلموا حيث وجب الكلام، وسكتوا حين وجدوا رخصة لذلك ..

ولم يصدر منهم بتوفيق الله لهم ما يفهم منه إقرار الظلم وتأييد الظالمين كما يفعل أولئك الذين عقدوا مجالس التحديث بأحاديث تحريم الخروج على ولاة الأمور لما كان الولاة هم  القذافي وعلي صالح وبن علي ومبارك وبشار الأسد ..

فلما تولى شيئا من الأمر: مرسي وحركة النهضة والمؤتمر الوطني العام الليبي وحزب العدالة والتنمية ..

لما تولى هؤلاء شيئا من الأمر؛ طويت صحف تلك الأحاديث؛ ولجؤوا إلى ديوان ترك السياسة وأن السياسة من الفتن ..

فلما انقلب على الإسلاميين: السيسي والسبسي وحفتر ..؛ رجع أولئك السلفيون للكلام في السياسة لشرعنة حكمهم؛ باسم: فقه المتغلب وطاعة ولاة الأمور!!!

وبهذا يقع بعض السلفيين في عين ما وقع فيه بعض الصوفية حين أقروا جبروت المحتل وأيدوه باسم: الرضا بالقضاء والقدر!

والحمد لله الذي عافانا من هذا الشر المبين، وأسأله سبحانه أن يثبتنا على الحق ويجنبنا هذه المواقف القبيحة الجبانة التي تتمسح بالدين والدعوة والسلف ولا حول ولا قوة إلا بالله ..

قال شيخنا عادل رفوش في مقالته “صيب الربيع العربي“:

“لم يُسأل عالم ابتداءً عن حكم ما جرى من ثورات الشعوب على القهر والظلم والاستبداد؛ حتى يُحَمَّل عالم بشريعة الفرقان مسئولية ما وقع وما يقع وما سيقع ..

ورحم الله علامة الجزائر ابن باديس؛ إذ يقول: “بإمكان الظروف أن تُكَيِّفَنا ولكن لن تستطيعَ أن تُتْلِفَنا”.

كما أن العالم لا يتحمل أي مظاهر تظهر في المجتمع إلا من جهة التخلي عن واجبه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعليم والتبليغ الذي لا يخاف في الله لومة لائم ..

ولم يُعلم عالم رباني يرجو لله وقاراً؛ يشك في فظاعة الفساد وكثرة فراعين الاستبداد وما يقع على دين الله من التشويه والتشبيه ..

ولم يُعلم عالم يخشى الله والدار الآخرة، ويجعل مصلحته الأم إرضاء ربه وإعلاء كلمته؛ وأن تصفية الدين من مكدرات العصر ظلماً وجهلاً؛ من أوجب واجبات الغلام الرباني حتى لو حَفروا له الأخاديد الموصدة الموقدة ..

وهم إذ ذاك في الإنكار والقيام بواجب العلم تبييناً للحق للناس وفراراً من كتمانه وتلبيس الدين على الناس؛ فيظن المظلوم ظالماً والظالم مظلوماً والمحق مبطلاً والمبطل محقاً؛ إمعانا في “رَوْبَضَةِ الواقعِ” بحيث تقلب الحقائق كما أفاده البيان النبوي بتصديق الكاذب وتخوين الأمين، ويوكل أمر العامة ديناً ودنياً لمن ليس أهلاً”اهـ

تنويه:

هذه الدراسة مختصرة من دراستي الموسعة: “السلفيون المغاربة والمشاركة السياسية“؛ التي ستصدرها مؤسسة ابن تاشفين قريبا بحول الله تعالى.

وسوم :

مواد ذات صلة

رسالة مفتوحة إلى الأستاذة أمينة بوعياش

تاريخ النشر : 29/06/2022

عدد المشاهدات : 854

بخور الفقه ونتانة العولمة

تاريخ النشر : 29/06/2022

عدد المشاهدات : 779

لماذا نحب الملك محمدا السادس؟

تاريخ النشر : 29/06/2022

عدد المشاهدات : 755

كلمة حول مقتل السيدة شيرين أبو عاقلة

تاريخ النشر : 29/06/2022

عدد المشاهدات : 662

فيلم الإخوان والمتاجرة بآلام المغاربة

تاريخ النشر : 29/06/2022

عدد المشاهدات : 625

'