أنشطة وأخبار

الإمام الجنيد بين شهادتي وشهادة الأخ “ذو الفقار” ..

تاريخ النشر : 8/04/2015

عدد المشاهدات : 1070


بقلم: حماد القباج

 

لم يتيسر لي بعد التفرغ لقراءة ما يكتبه الأخ أبو عبد الرحمن ذو الفقار بولعويدي لتقويم اعوجاجي ..

لكنني وجدت هذا الصباح رسالة من أحد الفضلاء تدق ناقوس الخطر، وتلح في الاطلاع على ما سوده الرجل هداه الله في حلقته السادسة؛ من تطاول على عرض أحد أعلام الأمة وربانييها؛ منكرا علي مدح الإمام الجنيد رحمه الله تعالى؛ معتبرا ذلك “تمييعا وتدليسا أتصيد به السذج وأوهم به العامة أن طريقه على أصول أهل السنة”!!

وقد بلغت الزلة بالأخ إلى درجة اتهامه الإمام؛ بالانحراف عن التوحيد، واحتمال اعتقاد الزندقة والكفر، والسعي لإخفاء معتقده!!!

وليت شعري كيف يجرأ على هذه الجريمة؛ والجنيد هو من هو: علما وتقوى وورعا وإمامة في الدين؟!

وليدرك الأخ ذو الفقار حجم زلته؛ أعلمه بأن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى؛ وصف الإمام الجنيد بأنه من “مشايخ الإسلام وأئمة الهدى الذين جعل الله تعالى لهم لسان صدق في الأمة؛ مثل: سعيد بن المسيب والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز ومالك بن أنس والأوزاعي وإبراهيم بن أدهم وسفيان الثوري والفضيل بن عياض ومعروف الكرخي والشافعي وأبي سليمان وأحمد بن حنبل وبشر الحافي وعبد الله بن المبارك”. [مجموع الفتاوى (2/ 474)].

كما أُعْلم الأخ ذو الفقار بأن شيخ الإسلام ابن تيمية شهد للإمام الجنيد بالإمامة في التوحيد؛ حيث قال:

“القول بالحلول أو ما يناسبه: وقع فيه كثير من متأخري الصوفية؛ ولهذا كان أئمة القوم يحذرون منه: كما في قول الجنيد لما سئل عن التوحيد؛ فقال: “التوحيد إفراد الحدوث عن القدم”.

فبين أن التوحيد أن يميز بين القديم والمحدث.

وقد أنكر ذلك عليه ابن عربي -صاحب الفصوص- وادعى أن الجنيد وأمثاله ماتوا وما عرفوا التوحيد لما أثبتوا الفرق بين الرب والعبد بناء على دعواه أن التوحيد ليس فيه فرق بين الرب والعبد”. [مجموع الفتاوى (2/ 299)].

قال في [(5/ 126)]:

“وكثير من الحلولية والإباحية ينكر على الجنيد وأمثاله من شيوخ أهل المعرفة المتبعين للكتاب والسنة”.

قال:

“وأما الذين جمعوا الآراء الفلسفية الفاسدة والخيالات الصوفية الكاسدة كابن عربي وأمثاله؛ فهم من أضل أهل الأرض.

ولهذا كان الجنيد رضي الله عنه سيد الطائفة: إمام هدى؛ فكان قد عرف ما يعرض لبعض السالكين؛ فلما سئل عن التوحيد قال: “التوحيد إفراد الحدوث عن القدم”.

فبين أنه يميز المحدث عن القديم تحذيرا عن الحلول والاتحاد؛ فجاءت الملاحدة كابن عربي ونحوه فأنكروا هذا الكلام على الجنيد؛ لأنه يبطل مذهبهم الفاسد.

والجنيد وأمثاله أئمة هدى، ومن خالفه في ذلك فهو ضال“. [مجموع الفتاوى (5/ 491-492)].

قال شيخ الإسلام:

“وأما أئمة الصوفية والمشايخ المشهورون من القدماء: مثل الجنيد بن محمد وأتباعه، ومثل الشيخ عبد القادر وأمثاله؛ فهؤلاء من أعظم الناس لزوما للأمر والنهي وتوصية باتباع ذلك“. [مجموع الفتاوى (8/ 369)].

وقال:

“فأما المستقيمون من السالكين؛ كجمهور مشايخ السلف: مثل الفضيل بن عياض وإبراهيم بن أدهم وأبي سليمان الداراني ومعروف الكرخي والسري السقطي والجنيد بن محمد وغيرهم من المتقدمين.

ومثل الشيخ عبد القادر والشيخ حماد والشيخ أبي البيان وغيرهم من المتأخرين.

فهم لا يسوغون للسالك ولو طار في الهواء أو مشى على الماء أن يخرج عن الأمر والنهي الشرعيين؛ بل عليه أن يفعل المأمور ويدع المحظور إلى أن يموت.

وهذا هو الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف؛ وهذا كثير في كلامهم“. [مجموع الفتاوى (10/ 516-517)].

وقال ابن تيمية أيضا:

“صار في شيوخ الصوفية من يعرض له من الفناء والسكر ما يضعف معه تمييزه حتى يقول في تلك الحال من الأقوال ما إذا صحا عرف أنه غالط فيه؛ كما يحكى نحو ذلك عن مثل أبي يزيد وأبي الحسين النوري وأبي بكر الشبلي وأمثالهم.

بخلاف أبي سليمان الداراني ومعروف الكرخي والفضيل بن عياض.

بل وبخلاف الجنيد وأمثالهم ممن كانت عقولهم وتمييزهم يصحبهم في أحوالهم؛ فلا يقعون في مثل هذا الفناء والسكر ونحوه.

بل الكمل تكون قلوبهم ليس فيها سوى محبة الله وإرادته وعبادته.

وعندهم من سعة العلم والتمييز ما يشهدون الأمور على ما هي عليه، بل يشهدون المخلوقات قائمة بأمر الله مدبرة بمشيئته بل مستجيبة له قانتة له؛ فيكون لهم فيها تبصرة وذكرى، ويكون ما يشهدونه من ذلك مؤيدا وممدا لما في قلوبهم من إخلاص الدين وتجريد التوحيد له والعبادة له وحده لا شريك له“. [مجموع الفتاوى (10/ 220)].

وفي مجموع الفتاوى (11/ 233):

“فإن ابن عربي وأمثاله وإن ادعوا أنهم من الصوفية فهم من صوفية الملاحدة الفلاسفة؛ ليسوا من صوفية أهل العلم.

فضلا عن أن يكونوا من مشايخ أهل الكتاب والسنة: كالفضيل بن عياض وإبراهيم بن أدهم وأبي سليمان الداراني ومعروف الكرخي والجنيد بن محمد وسهل بن عبد الله التستري وأمثالهم رضوان الله عليهم أجمعين”اهـ.

وقال شيخ الإسلام عن الرافضة:

“يكفرون كل من اعتقد في أبي بكر وعمر والمهاجرين والأنصار العدالة أو ترضى عنهم كما رضي الله عنهم أو يستغفر لهم كما أمر الله بالاستغفار لهم.

ولهذا يكفرون أعلام الملة: مثل سعيد بن المسيب وأبي مسلم الخولاني وأويس القرني وعطاء بن أبي رباح وإبراهيم النخعي.

ومثل مالك والأوزاعي وأبي حنيفة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة والثوري والشافعي وأحمد بن حنبل وفضيل بن عياض وأبي سليمان الداراني ومعروف الكرخي والجنيد بن محمد وسهل بن عبد الله التستري وغير هؤلاء”. [مجموع الفتاوى (28/ 477)].

هذا هو الجنيد يا “ذو الفقار”؛ فاتقي الله وتب إلى ربك ولا تلق الله بعرض هذا الإمام التقي النقي المبارك الذي وصفه خبير الرجال الإمام الذهبي رحمه الله تعالى؛ بقوله: “الإمام القدوة المحدث”. [سير أعلام النبلاء ط الحديث (15/ 73)]

ومن زلقات الأخ ذو الفقار هداه الله؛ تشكيكه في علم الإمام الجنيد!

فقد قال في مقالته التي ليته لم يسود صحيفته بها:

“لكن لا بد من التساؤل أولا للتحقق من مثل هذه الدعوى بقولنا: ما الذي يريده الجنيد ويرمي إليه من قوله (علمنا مضبوط بالكتاب والسنة)؟

هل كان الجنيد يريد العلم الشرعي؟

أم كان يريد العلم اللدني الذي يختص به المتصوفة دون غيرهم وهو منهم وسيدهم”؟

قلت: لقد أجاب الإمام ابن القيم عن هذا السؤال بخلاف ما أجبت أنت؛ جازما بأن مراد الجنيد هو العلم الشرعي الموصل إلى الله تعالى؛ فقال في (مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (2/ 434)):

“فصل منزلة العلم:

ومن منازل {إياك نعبد وإياك نستعين}: منزلة العلم.

وهذه المنزلة إن لم تصحب السالك من أول قدم يضعه في الطريق إلى آخر قدم ينتهي إليه: فسلوكه على غير طريق.

وهو مقطوع عليه طريق الوصول، مسدود عليه سبل الهدى والفلاح، مغلقة عنه أبوابها. وهذا إجماع من الشيوخ العارفين، ولم ينه عن العلم إلا قطاع الطريق منهم، ونواب إبليس وشرطه.

قال سيد الطائفة وشيخهم الجنيد بن محمد رحمه الله: “الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى آثار الرسول صلى الله عليه وسلم”.

وقال: “من لم يحفظ القرآن ويكتب الحديث، لا يقتدى به في هذا الأمر، لأن علمنا مقيد بالكتاب والسنة”.

وقال: “مذهبنا هذا مقيد بأصول الكتاب والسنة”. اهـ

وللإشارة فإن ابن القيم قلما يذكر الإمام الجنيد في المدارج وفي غيره؛ إلا ويستشهد به ويثني عليه ويبجله ..

والغريب أن الأخ ذو الفقار يتهمني بأنني تلقيت قول الجنيد في وجوب الاعتصام بالكتاب والسنة بالعجلة وعدم التحري، قائلا عني:

“تلقى الخبر، فحمله وجرى به مذيعاً وناشرا له، من غير تثبت، ومن غير تمحيص”.

ووصف عملي هذا بأنه “استهتار بحجم المعلومة، وتناول الأمور وإطلاق الكلام بلا مبالاة”!

يقول عني هذا؛ في الوقت الذي يبني هو تصوره وحكمه على الإمام الجنيد؛ على مصادر مشبوهة لا تنبغي الثقة بها؛ مثل: طبقات الشعراني وفصوص ابن عربي!

وليت شعري كيف يدعي العلم والتحقيق والتحرير؛ وقد ترك شهادات الأئمة الثقات من أمثال ابن تيمية والذهبي وابن القيم، وذهب يستقي المعلومة من الخرافيين والدجاجلة؟!

ومتى كان محققا من يترك شهادة الإمام ابن تيمية وفتاويه المحررة؛ ويعتمد نقولات وشهادات الشعراني وطبقاته الخرافية؛ ويستقي منها للطعن في الإمام الحنيد والتشكيك في عقيدته؟؟؟!

وهنا أرجع إلى قول الأخ ذو الفقار في مطلع مقالته:

“الفصل بين كلام المعين عن نظامه المعرفي، ومرجعيته في التفكير، هو خلل منهجي، وتفتيت للمذهب، وتجزيء له.

وهذا أمر وقع فيه دعاة كثيرون جعلهم بعيدون عن إدراك طبيعة ما يبحثون فيه. حيث لجأ بعضهم إلى تأويل كلام بعض الأعيان بما لا يلائم مذهبهم، ولجأ البعض الآخر إلى تبرئة أولئك الأعيان مما ينتسبون إليه.

ومن أحدث الأمثلة في هذا الأمر -وإلا فما أكثرها- شهادة أخينا القباج في الجنيد سيد الصوفية”اهـ

يا أخي؛ كلامك موجه إلى ابن تيمية وليس إلي!

فهو عمدتي في الشهادة على الإمام الجنيد؛ وهو عندي بريء من “الفصل” و”التفتيت” و”الخلل المنهجي” و”البعد عن إدراك طبيعة ما يبحث فيه”، و”تأويل كلام بعض الأعيان بما لا يلائم مذهبهم”.

ولن أترك تقييم شيخ الإسلام؛ وهو جبل الحفظ، وإمام السنة، وبحر المعرفة؛ وأتبع تقييمك الذي يتكأ على أكاذيب الشعراني، وخيالات ابن عربي ..

وأقول لك كلمة ناصح: لا عليك أن تنشغل بالقباج؛ فقد سامحك وتصدق بعرضه عليك؛ لكنني أعظك أن تستمر في النيل من أئمة العلم والاستقامة وأولياء الله تعالى.