تاريخ النشر : 27/06/2017
عدد المشاهدات : 1037
تلا الإمام سورة القصص
والتي تحدث نصفها الأول عن استبداد وفساد الملك المصري رمسيس الثاني (فرعون موسى)، وعن مقاومة موسى -قبل النبوة وبعدها- لفساده ..
واستبداد أصحاب السلطة والثروة من المعضلات التي عانى منها الإنسان طيلة تاريخه الطويل ..
وقد عالجتها التشريعات الإلهية والوضعية، ووضعت لذلك مناهج وأساليب متعددة ومتنوعة؛ منها ما استنبط من الوحي الإلهي (دولة الخلفاء الراشدين نموذجا)، ومنها ما اجتهد في وضعه الفلاسفة والخبراء ..
وتوافقت البشرية اليوم على أن حل هذه المشكلة إنما هو في تفعيل الآليات الديمقراطية في تنظيم عملية الحكم وممارسة السلطة ..
وقد تكلم القرآن في سورة القصص وغيرها عن النموذج الفرعوني للاستبداد، بصفته أحد أظهر النماذج في التاريخ، كما فصل في ذكر مقاومة أحد أهم الرسل لذلك الاستبداد، ونجاحه في إسقاطه ..
وقد عرفت السورة الاستبداد بأنه: العلو في الأرض والإفساد فيها؛
فقالت في أولها: {إن فرعون علا في الأرض … إنه كان من المفسدين}
وفي آخرها: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا}
فالمستبد لا يقبل أن يكون غيره أعلى منه؛ بأن يكون أكثر منه سلطة أو ثروة؛ ومن أجل المحافظة على الحجم الهائل لسلطته وثروته؛ يستبد (أي: يستأثر) بالحكم، ويرتكب كل أنواع الفساد للاستئثار بالثروة الداعمة لذلك الحكم ..
وعلو فرعون بلغ درجةً رفض معها كل محاولات الإصلاح التي قادها سيدنا موسى، وبعد بعثة موسى رسولا تجرأ فرعون على رفض أوامر الله التي وصلته على لسان رسوله؛ وهنا بلغ علوه إلى درجة أنه أنكر الربوبية والألوهية والرسالة والجنة والنار؛ التي سماها أساطير وخرافات ..
بل ادعى الألوهية وأن له جنة ينعم فيها أتباعه (ثروته وهيمنته على الموارد المالية) ..
ووافقه على ذلك الفساد: مستشاره الأكبر هامان وباقي رجال الدولة وأصحاب الأموال؛ في مقدمتهم: (الميلياردير) قارون، وجنود فرعون (الجيش):
{إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين}
{إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم}
وقد لخصت السورة مظاهر فساد الملك رمسيس واستبداده في:
– ترسيخ الفرقة الطائفية بين أهل مصر: {جعل أهلها شيعا ..}
– استضعاف طائفة بني إسرائيل التي كانت مؤهلة للإصلاح ومقاومة فساده: {.. يستضعف طائفة منهم}
– وقد بلغ الاستضعاف (الاضطهاد) درجة أنه حاول إبادتهم: {يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم}
– وفي المقابل كان يدعم طائفة الأقباط ويُمَكِّن لهم في مناصب الدولة والمعاملات المالية لدرجة استشرى معها فسادهم.
– وكان يستحيي نساء بني إسرائيل؛ أي يبقيهن أحياء للمتعة والخدمة ..
وأشارت السورة إلى كون موسى بدأ يعمل على الإصلاح ومحاربة ذلك الفساد؛ وعرف بذلك بين قومه؛ كما يشير إليه قول ذلك الرجل من قومه: {.. وما تريد أن تكون من المصلحين}
وكان موسى قد بلغ أربعين سنة وتعلم وتفقه في الدين: {ولما بلغ أشده واستوى آتَيْنَاه حكما وعلما}
وكان قد تربى في قصر الملك؛ فكان له جاه عنده ومنزلة كبيرة عند زوجته، وشكل هذا مستندا داعما وحاميا له إلى حد ما ..
ويبدو أن عددا من رجال الدولة ضاقوا ذرعا بالجهود الإصلاحية لموسى؛ الذي كان يدعو إلى الله تعالى ويرفع من مستوى وعي المصريين وخصوصا بني إسرائيل ..
فاستغلوا قتله خطأً لأحد الأقباط في إحدى مدن مصر؛ فاستطاعوا تمرير قرار قتله؛ فسرب له أحد المؤمنين -الذين استجابوا لدعوته-؛ الخبر ونصحه بالهروب: {إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين}
{فخرج منها} أي: من المدينة المصرية التي وقع فيها القتل، {خائفا يترقب} وصول جنود فرعون لتعذيبه وقتله ..
وفر لاجئا إلى بلدة مدين التي كانت خارجة عن سلطة فرعون.
وكانت أحواله مزرية جدا كما يشير إليه قوله تعالى: {رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير}
وقد قدر الله له اللقاء بالنبي شعيب الذي زوجه إحدى ابنتيه
ودعاه للعمل عنده بأجرة محترمة وأكد له سلامته من سلطة فرعون: {لا تخف نجوت من القوم الظالمين}
وفيه إشارة إلى كون دولة فرعون كانت معروفة بالظلم والاستبداد ..
وبقي موسى في بلدة مدين عشر سنين، ثم أوحى الله إليه وبعثه رسولا إلى بني إسرائيل وفرعون وقومه، وأمره بإخراجهم من استبداد واضطهاد فرعون، لكن الملك الجبار رفض وواجه موسى؛ فكان انهيار ملكه واستبداده على يد هذا الرسول المصلح العظيم صلى الله عليه وسلم ..
حماد القباج
ليلة الأربعاء 19 رمضان 1438
بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة
وسوم :من وحي التراويح
ننوه الى أن ما ننشره من مواد للسادة والسيدات العلماء والمفكرين والمثقفين والسياسيين، لا يلزم منه الاتفاق معهم في كل أفكارهم وآرائهم
Nous précisons que le contenu publié d'un tiers auteurs n'implique pas que nous sommes forcément d'accord avec l'ensemble de ses idées.
Designed by Khalil BI