تاريخ النشر : 27/06/2017
عدد المشاهدات : 1205
تلا الإمام قبل قليل قول الله تعالى من سورة الأَنْعَام: {وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها}
كثير من الناس يعرفون قيمة الدّين ويدركون بأن سعادتهم الحقيقية قبل الموت وبعده متوقفة عليه ..
ومع ذلك لا يريدون التنازل عن الشهوات التي يحرمها عليهم الدّين، ولا يريدون الالتزام بكل تكاليفه .. فيعمدون إلى أمور من اللعب واللهو ويسمونها دينا ويوهمون أنفسهم بأنهم متدينون إذا فعلوها!
مثل: التعبد بالرقص والشطح والموسيقى الروحية، والترانيم، والطواف بالصفير، والاقتصار من العبادة على ترانيم السبت أو دعاء الأحد أو صلاة الجمعة والعيد ..
ومن أبناء الدين الإسلامي من ابتدع أنواعا من الحيل والتأويلات التي هي أقرب إلى اللعب منها إلى تفسير الدين وحسن فهمه؛ فباسم قراءة النصوص الدينية قراءة معاصرة مثلا؛ يزعمون أن الدين هو فقط شعائر وروحانيات، ولا علاقة له بالتشريع في أمور الناس الأخرى؛ من سياسة واقتصاد ومعاملات مالية ولباس .. الخ.
وكل ما فيه من تشريعات في تلك المجالات إنما هي خاصة بالعرب في ذلك الوقت، ولا علاقة لها بزماننا !
بل من المتلاعبين بالدِّين من تلاعب بالشعائر نفسها؛ كالرئيس التونسي بورقيبة: الذي زعم أن الإنتاج يقوم مقام الصيام؛ فلا داعي لصوم رمضان، وزعم أن المراد بالحجاب طهارة الروح ..
ومثله: ناس زعموا أن العمل يبيح تأخير الصلوات وجمعها إلى الليل … إلخ.
ولولا أن أحكام الإسلام محفوظة بحفظ الله للقرآن والسنة؛ لتعرضت لتحريف يجعل مكانها أنواعا من الأهواء والتأويلات هي أقرب إلى اللعب واللهو ..
ومن تلاعب بعض المذاهب العلمانية بالدِّين: إنكار الرسالات وزعم أصحابها بأن الله خلق الخلق وتركه وشأنه؛ فلم ينزل كتابا ولم يرسل رسولا!
وقد قال الله عن هؤلاء في هذه السورة نفسها: {وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى …}
قال سبحانه: {قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون}
وفي هذه الآية إشارة إلى أن هذا الزعم زعمه يهود؛ وهم اليوم من أكبر المروجين للإلحاد والعلمانية ..
وبعيدا عن هذا اللعب؛ يؤكد القرآن بأن الدين كما شرحه الأنبياء له حقيقة واحدة؛ هي: “الاستسلام لله والانقياد لأمره ونهيه”؛ ولذلك سمي: إسلاما؛
قال تعالى: {ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله}.
وقد بينت آية التراويح أعلاه؛ أن سبب التلاعب بالدِّين هو الاغترار بالدنيا؛ أي الانخداع بها والعيش من أجلها ظنا أنها كل شيء، فيضعف إيمان الإنسان بالغيب، وقد تهجم عليه الشكوك فيتردد في جزاء المتدين، وقد يهلكه الكفر فيظن أنه ليس هناك إلا هذه الحياة؛ وأنه لا نعيم ولا متعة بعد الموت: {وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين}
و”الحياة الدنيا”: مركب لفظي يدل على انحسار همهم في هذه الحياة؛ وعدم اهتمامهم بالحياة الأخرى التي هي الحياة الحقيقية؛ خلودا وجودة في المتعة وتعددا لأنواع النعيم ..
فهؤلاء غرتهم “الحياة الدنيا”؛ وأنستهم حقيقة وجودهم ..
لذا أمر الله تعالى نبيه بتذكيرهم بالدِّين الحق وما أحل فيه وما حرم وما وعد به وما توعد؛ {وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت}؛ أي: ذكرهم بحقيقة الدين كي لا تصير النفس الإنسانية سجينة لأهواءها وشهواتها .. ثم تتفاجأ بأن ما كانت عليه إنما هو لعب وَلَهْو وليس ديناً …
فتحاول يوم القيامة أن {تعدل كل عدل} أي: أن تفتدي بأغلى وأنفس أنواع الفداء؛ ف{لا يؤخذ منها} أي: لا يقبل ..
فتبقى في عذاب ظنت أنها ستنجو منه باللعب واللهو الذي كانت تسميه دينا ..
وفي الآية بيان أهمية الدعوة ودوام تذكير المسلمين؛ لمقاومة أنواع التحريف والتلاعب بالدِّين
حماد القباج
ليلة الجمعة 7 رمضان 1438
بالمسجد الحرام بمكة المكرمة
وسوم :من وحي التراويح
ننوه الى أن ما ننشره من مواد للسادة والسيدات العلماء والمفكرين والمثقفين والسياسيين، لا يلزم منه الاتفاق معهم في كل أفكارهم وآرائهم
Nous précisons que le contenu publié d'un tiers auteurs n'implique pas que nous sommes forcément d'accord avec l'ensemble de ses idées.
Designed by Khalil BI