الرقابة على السلطة ومحاسبتها

أثبتت الآية بمنطوقها عقيدة: أن أحدا لا يملك أن يسائل الله عز وجل؛ إذ هو الرب الخالق الملك الحق الذي لا معقب لحكمه ولا راد لقضاءه ..
ويؤخذ من هذا الجزء من الآية بدلالة المفهوم أن من سوى الله عز وجل يُسأل؛ وهو ما أكده منطوق الجزء الثاني ..
والسؤال هنا عام؛ وَمِمَّا يدخل في عمومه:
مساءلة من يتولى سلطة على الناس؛ كيفما كانت رتبته في تلك السلطة ..
وهذا العموم أكده التشريع السياسي الإسلامي؛ حيث رسخه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدولة التي أسسها في المدينة؛ وأن كل من يتولى سلطة كان محط مساءلة ..
وطبق ذلك الخلفاء الراشدون في تدبيرهم السياسي ..
وهو أمر واجب شرعا على كل مسلم يتولى السلطة أو الحكم؛ بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: “فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي“.
والمراد بسنتهم: منهجهم في الحكم والتدبير السياسي ..
والذي كان منه: مراقبة الحاكم ومساءلته؛ خليفة كان أو أميرا أو واليا ..
قال أبو بكر رضي الله عنه ما معناه: “أيها الناس راعوني؛ فإن استقمت فأعينوني وإن اعوججت فقوموني”.
وكذا قال عمر الذي نفى الخيرية عن رعيته إن لم يراقبوه ويساءلوه ..
وكان يعطي هذا الحق لعموم الناس رجالا ونساء ..
وكانوا أربعتهم يصرحون بممتلكاتهم عند تولي الحكم، ويخبرون الناس بما يأخذون من المال العام؛ وتصريح أبي بكر وعمر في صحيح البخاري؛ وقد نقلناه في رسالتنا في “نظام الحكم في الإسلام” ..
وأذكر من ذلك قول عمر رضي الله عنه: “أيها الناس إنما أستحل من بيت مالكم كل عام: مؤونتي وأهلي وكسوة للشتاء وأخرى للصيف”.
وكلما حاول الحكام وأصحاب السلطة إغلاق باب المتابعة والمساءلة والمحاسبة؛ كلما فتحت أبواب الفساد والاستبداد على مصارعها ..
وهو ما تفشى في الدول الإسلامية التي لم تلتزم بمنهج الخلفاء الراشدين كما أمر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ..

تنويه:
يرجع الفضل في تنبهي لهذا المعنى من الآية الكريمة إلى شيخنا المفسر المفتوح عليه أبي عامر حفظه الله تعالى ..

حماد القباج

ليلة الأحد 16 رمضان 1438

بالمسجد النبوي بالمدينة المنورة